كيف سيعمل الذكاء الصناعي في إعادة تشكيل النظام العالمي

كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل النظام العالمي

ترجمة وبتصرف: عبد الله سلمان العوامي 

بقلم: نيكولاس رايت  Nicholas Wright هو استشاري في علم الأحياء الذكي والباحث المنتسب في مركز بيليغرينو للأخلاقيات الحيوية السريرية Pellegrino Center for Clinical Bioethics في المركز الطبي لجامعة جورجتاون Georgetown University Medical Center

المصدر: مجلة الشؤون الخارجية (فورن افيرز Foreign Affairs) حسب الرابط أدناه

تاريخ النشر: ١٠ يوليو ٢٠١٨م

المنافسة القادمة بين الاستبداد الرقمي والديمقراطية الليبرالية

كان ولا يزال موضوع النقاش حول تأثير تقنيات الذكاء الصناعي مهيمناً على موضوعين. أحدهما هو الخوف من التفرد، وهو الحدث الذي تجاوز فيه الذكاء الصناعي الذكاء البشري وتفلته من السيطرة البشرية، ومن المحتمل أن يكون له بعد ذلك عواقب وخيمة. والأمر الآخر هو القلق من أن الثورة الصناعية الجديدة والتي ستسمح للآلات بتعطيل واستبدال البشر في كل منطقة حيوية من مناطق المجتمع تقريبا – من النقل والمواصلات إلى الجيش ومن ثم إلى الرعاية الصحية.

هناك أيضا طريقة ثالثة يعد بها الذكاء الصناعي لإعادة تشكيل العالم. من خلال السماح للحكومات برصد مواطنيها وفهمهم والسيطرة عليهم أكثر من أي وقت مضى، حيث سيقدم الذكاء الصناعي للدول الاستبدادية بديلاً معقولاً للديمقراطية الليبرالية، وهو الأول من نوعه منذ نهاية الحرب الباردة. سيؤدي ذلك إلى اشتعال وتجديد المنافسة الدولية بين النظم الاجتماعية.

لعقود طويلة، ولازال معظم منظري السياسة يعتقدون أن الديمقراطية الليبرالية تقدم السبيل الوحيد للنجاح الاقتصادي المستدام. فإما أن تقوم الحكومات بقمع شعبها وتجعلها فقيرة أو تحررها لتمكنهم من جني الفوائد الاقتصادية. تمكنت بعض الدول القمعية من تنمية اقتصاداتها لفترة من الوقت، ولكن على المدى البعيد، النظام السلطوي ينتج دائما ركودا اقتصاديا. يعد الذكاء الصناعي بتقسيم هذه الثنائية. حيث انه يقدم طريقة معقولة للدول الكبيرة والمتقدمة اقتصاديًا لجعل مواطنيها أغنياء مع الحفاظ على السيطرة عليهم.

بعض الدول تحركت بالفعل في هذا الاتجاه. بدأت الصين في بناء دولة استبدادية رقمية باستخدام أدوات المراقبة والتعلم الآلي للسيطرة على السكان المضطربين، وخلق ما تسميه “نظام الائتمان الاجتماعي”. وقد بدأت العديد من البلدان ذات التفكير المماثل في شراء أو محاكاة الأنظمة الصينية. وكما تحدت المنافسة بين النظم الاجتماعية الليبرالية والفاشية والشيوعية في معظم القرن العشرين، فإن الصراع بين الديمقراطية الليبرالية والاستبداد الرقمي سيكون من سمة القرن الواحد والعشرين.

الاستبداد الرقمي

ستتيح التقنيات الجديدة مستويات عالية من الرقابة الاجتماعية بتكلفة معقولة. سوف تكون الحكومات قادرة على مراقبة المواضيع والسلوكيات بشكل انتقائي للسماح بتدفق المعلومات للأنشطة الإنتاجية الاقتصادية بحرية، بينما ستحد من المناقشات السياسية التي قد تضر بالأنظمة الحاكمة. يقدم ما يسمى بجدار الحماية الكبير في الصين عرضًا مبكرًا لنموذج حي لهذا النوع من الرقابة الانتقائية.

وكذلك الخطاب المراقب بأثر رجعي، سوف يسمح الذكاء الصناعي والبيانات الضخمة بقدرة التنبؤ عن المنشقين المحتملين. هذا المشهد سيشبه طريقة استهداف مستهلكي شركة امازون Amazon أو شركة جوجل Google، ولكنه سيكون أكثر فعالية، حيث ستتمكن الحكومات الاستبدادية من الاعتماد على البيانات بطرق مختلفة وغير مسموح بها في الديمقراطيات الليبرالية. لا يحق للأمازون وجوجل الوصول إلا إلى البيانات من بعض الحسابات والأجهزة؛ ولكن الذكاء الصناعي المصمم للسيطرة الاجتماعية سوف يستخلص البيانات من الأجهزة المتعددة التي يتفاعل معها شخص ما خلال نشاطه اليومي. والأهم من ذلك، لن يكون للأنظمة الاستبدادية أي حواجز تمنعها او تندم عليها حول دمج هذه البيانات مع المعلومات الأخرى ومنها: الإقرارات الضريبية، والسجلات الطبية، والسجلات الجنائية، وعيادات الصحة الجنسية، والبيانات المصرفية، والكشف الجيني، والمعلومات الشخصية المادية (مثل الموقع، والبصمات، ورصد الدوائر التلفزيونية المغلقة باستخدام برامج التعرف على الوجه)، بالإضافة الى المعلومات التي تم جمعها من العائلة والأصدقاء. قدرة الذكاء الصناعي سوف تكون جيدة بمقدار حجم البيانات التي يمكنه الوصول إليها. ولسوء الحظ، فإن كمية ونوعية البيانات المتاحة للحكومات عن كل مواطن ستكون متوفرة بامتياز لتدريب أنظمة الذكاء الصناعي.

حتى مجرد وجود هذا النوع من الرقابة التنبؤية سيكون عاملا مهما في مساعدة المستبدين. وربما كانت الرقابة الذاتية هي آلية الانضباط الأكثر أهمية في شرق ألمانيا. الذكاء الصناعي سوف يجعل التكتيك أكثر فعالية بشكل كبير. سيعرف الناس أن المراقبة الكلية لنشاطاتهم المادية والرقمية سوف تستخدم للتنبؤ بالسلوك غير المرغوب فيه، وحتى الإجراءات المجرد التفكير فيها. من منظور تقني، لا تختلف هذه التنبؤات عن استخدام الذكاء الصناعي لأنظمة الرعاية الصحية للتنبؤ بالأمراض لدى الأشخاص الذين يبدو وكأنهم أصحاء قبل ظهور أعراضهم المرضية.

من أجل منع النظام من إجراء تنبؤات سلبية، سيبدأ العديد من الناس في محاكاة سلوكيات فرد جدير بالثقة في المجتمع. قد يكون ذلك دقيقًا حتى متى لنظر عيون شخص ما لعناصر مختلفة على شاشة هاتف. سيؤدي ذلك إلى تحسين الرقابة الاجتماعية، ليس فقط من خلال إجبار الناس على العمل بطرق معينة، ولكن أيضًا بتغيير طريقة تفكيرهم. إن النتيجة المركزية في علم التأثير المعرفي هي أن تجعل الناس يؤدون سلوكيات يمكن من خلالها أن يغيروا مواقفهم وتقودهم إلى عادات يكررونها ذاتيا. جعل الناس يشرحون موقفًا ما يجعلهم أكثر امكانية على دعم ذلك الموقف، وهو أسلوب استخدمه الصينيون في أسرى الحرب الأمريكيين أثناء الحرب الكورية. يعرف مندوبي المبيعات أن الحصول على عميل محتمل لأداء سلوكيات صغيرة فانه من الممكن أن يغير من مواقفه ثم القيام بطلبات أكبر في وقت لاحق. لأكثر من 60 عامًا من العمل المخبري والميداني أظهرت قدرة البشر الرائعة على ترشيد سلوكياتهم.

بالإضافة إلى السيطرة الفعالة، يعد الذكاء الصناعي بتقديم أفضل الخطط للاقتصاد المركزي. وكما يجادل السيد جاك ما، مؤسس شركة علي بابا الصينية للتكنولوجيا قائلا: أن توفر المعلومات تستطيع السلطات المركزية من خلالها توجيه الاقتصاد بواسطة التخطيط والتنبؤ بقوى السوق. فبدلاً من الخطط البطيئة وغير المرنة والتي تزعم انها تناسب قياسات الجميع، يعد الذكاء الصناعي باستجابات سريعة ومفصلة لاحتياجات العملاء.

ليس هناك ما يضمن أن هذا النوع من الاستبداد الرقمي سيعمل على المدى الطويل، ولكنه قد لا يكون بحاجة إلى ذلك، طالما أنه نموذج جدير بالتطبيق ويمكن لبعض الدول أن تستهدفه. سيكون ذلك كافياً لإطلاق منافسة إيديولوجية جديدة. إذا بدأت الحكومات في رؤية الاستبداد الرقمي كبديل عملي للديمقراطية الليبرالية، فإنها لن تشعر بأي ضغط لتفعيل نظم الليبرالية. حتى إذا فشل هذا النموذج “الاستبدادي الرقمي” في النهاية، فقد تستمر محاولات تنفيذه لفترة طويلة من الزمن. وفي الحقيقة ان النماذج الشيوعية والفاشية التي انهارت، انما انهارت فقط بعدما فشلت المحاولات المتكررة والكثيرة لتنفيذها في العالم.

خلق وتصدير دولة شمولية (“كاشفة ومراقبة”)

بغض النظر عن مدى الفائدة التي قد يثبتها نظام الرقابة الاجتماعية لنظام حاكم ما، فإن بناء نظام كهذا لن يكون سهلاً. من المعروف أن مشاريع تكنولوجيا المعلومات الضخمة صعبة التنفيذ. إنها تتطلب مستويات عالية من التنسيق، والتمويل السخي، والكثير من الخبرة. ولتلمس فيما إذا كان هذا النظام مجديا أم لا، فإنه يستحق النظر إلى ما فعلته الصين، وانه من غير المستغرب أن تكون الصين هي أهم الدول الغير غربية التي قد تبني هكذا نظام.

لقد أثبتت الصين أنها قادرة على تقديم مشاريع تقنية ضخمة تشمل المجتمع بكل مساحاته، مثل جدار الحماية العظيم. كما أن لديها التمويل لبناء أنظمة جديدة رئيسية. في العام الماضي، بلغت ميزانية الأمن الداخلي للبلاد 196 مليار دولار على الأقل، بزيادة 12 في المائة عن عام 2016. وربما كان الدافع وراء الكثير من هذه القفزة هو الحاجة إلى منصات بيانات ضخمة جديدة. يضاف الى ذلك ان الصين لديها خبرة في الذكاء الصناعي. الشركات الصينية رائدة عالمياً في أبحاث الذكاء الصناعي، وفي معظم الأحيان ان مهندسي البرمجيات الصينيون يتفوقون على نظرائهم الأمريكيين في المسابقات الدولية. وأخيرًا، وباستطاعة هذه التقنيات الحديثة، مثل الهواتف الذكية، والمنتشرة على نطاق واسع، أن تشكل العمود الفقري لنظام مراقبة شخصي. معدلات ملكية الهواتف الذكية في الصين تقترب من تلك الموجودة في الغرب وفي بعض الأمور مثل أنظمة المدفوعات بالجوال، تكون الصين هي الرائدة عالميا.

تقوم الصين بالفعل ببناء المكونات الأساسية لنظام استبدادي رقمي. جدار الحماية العظيم متطور وراسخ، وقد تم تشديده أكثر خلال العام الماضي. تصنف مؤسسة فريدوم هاوس Freedom House، وهي مؤسسة فكرية، الصين على انها الاسوأ في انتهاك الحريات لمستخدمي الإنترنت في العالم. كما ان الصين أيضا تنفذ برامج مراقبة مكثفة في العالم المادي. وفي عام 2014، أعلنت الصين خطة للائتمان الاجتماعي، لتقييم جودة سلوك كل مواطن وتعطيه درجة مفصلة ومتكاملة عن ذلك، وحسب ما تفهمه الحكومة عنه. وقد تطور نظام المراقبة الصيني إلى أقصى حد في مقاطعة شينجيانغ Xinjiang Province، حيث يتم استخدام هذا النظام المتطور لرصد ومراقبة السكان الأويغوريين المسلمين Muslim Uighur. أولئك الذين يعتبرهم النظام غير آمنين، ويتم إقصاؤهم من الحياة اليومية؛ حتى يتم إرسال العديد منهم إلى مراكز إعادة التعليم. وإذا رغب النظام الصيني الحاكم في بكين، فانه بإمكانه ان يطلق هذا النظام ويعممه على مستوى البلاد كافة.

لكي تتأكد، أن القدرة ليست هي نفس القصد. لكن يبدو أن الصين تتجه نحو الاستبداد وبعيدا عن أي اقتراح لليبرالية. تعتقد الحكومة وبكل وضوح أن الذكاء الصناعي والبيانات الضخمة ستفعل الكثير لتمكين هذا الاتجاه الجديد. تصف خطة التنمية الصينية للذكاء الصناعي لعام 2017 كيف أن القدرة على التنبؤ و ” فهم إدراك المجموعة” تعني “أن الذكاء الصناعي سيخلق فرصًا جديدة للبناء الاجتماعي”.

الاستبداد الرقمي لا يقتصر على الصين. العاصمة بكين تقوم بتصدير نموذجها. لقد انتشر نهج جدار الحماية العظيم للإنترنت إلى تايلاند وفيتنام. ووفقا للتقارير الإخبارية، فقد قدم الخبراء الصينيون الدعم للرقابة الحكومية في سريلانكا وزودوا أجهزة مراقبة أو رقابة مطبوعات إلى إثيوبيا وإيران وروسيا وزامبيا وزيمبابوي. في وقت سابق من هذا العام، باعت شركة الذكاء الصناعي الصينية ييتو Yitu “كاميرات يمكن ارتداؤها بتقنية التعرف على الوجه باستخدام تقنية الذكاء الصناعي” إلى جهة أمنية في ماليزيا.

على نطاق أوسع، عمدت الصين وروسيا إلى التراجع عن مفهوم الولايات المتحدة لشبكة إنترنت على انها حرة وبلا حدود وعالمية. تستخدم الصين قوتها الدبلوماسية والسوقية للتأثير على المعايير التقنية العالمية من أجل تطبيع فكرة أن الحكومات المحلية يجب أن تتحكم في الإنترنت بطرق تحد بشكل مطلق من الحرية الفردية. بعد ارتفاع حمى التنافس على النفوذ في تشكيل منتدى جديد يضع معايير دولية للذكاء الصناعي، قامت الولايات المتحدة بتأمين مقعد منصب الأمين العام للمنتدى، مما يساعد على توجيه قرارات المجموعة، في حين استضافت بكين أول اجتماع لهذا المنتدى، في شهر أبريل المنصرم، كما تسلم السيد وائل دياب، عضو مجلس إدارة أول في شركة هواوي الصينية منصب مدير مجلس الإدارة للمنتدى. بالنسبة للحكومات التي وظفتهم، قد تبدو هذه التدابير دفاعية – وضرورية لضمان السيطرة المحلية – ولكن قد ترى الحكومات الأخرى أنها ترقى إلى مستوى الهجمات على أسلوب حياتها.

الرد الديموقراطي

إن بزوغ النموذج التقني الاستبدادي للحكم يمكن، على ما يبدو، أن يجدد الديمقراطيات الليبرالية. إن كيفية استجابة الديمقراطيات الليبرالية لتحديات وفرص الذكاء الصناعي تعتمد جزئياً على كيفية تعاملها مع الشعب في الداخل والجزء الاخر على كيفية تعاملها مع البديل السلطوي خارجيا. في كلتا الحالتين، توجد أسباب للتفاؤل الحذر.

داخليا، وعلى الرغم من أن الديمقراطيات الراسخة سوف تحتاج إلى بذل جهود متضافرة لإدارة صعود التقنيات الجديدة، فإن التحديات ليست واضحة بشكل كبير لهذه الديمقراطيات والتي تمكنت من التغلب على تحديات سابقة. هناك سبب واحد كبير للتفاؤل هو اعتماد المسار والطريقة. من المرجح أن تسير الدول ذات التقاليد القوية للحرية الفردية في اتجاه واحد باستخدام التقنيات الجديدة؛ أما أولئك الذين لا يملكون هذه التقاليد فمن المحتمل أن يذهبون الى خيار آخر. لطالما عمدت القوى القوية داخل المجتمع الأمريكي إلى التراجع عن برامج المراقبة الجماعية للحكومية المحلية، وإن كان ذلك بنجاحات متغيرة. في السنوات الأولى من هذا القرن، على سبيل المثال، بدأت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتطورة في بناء أنظمة المراقبة المحلية تحت عنوان “التوعية الإعلامية الشاملة” لجمع بيانات طبية ومالية وفيزيائية ومعلومات اخرى. بعدها قامت المعارضة من مجموعات الإعلام والحريات المدنية بالتوجه الى الكونجرس لمناقشة البرنامج، على الرغم من أنه ترك بعض الحلول المخفية عن الجمهور في ذلك الوقت. في نفس الوقت يعترف معظم المواطنين في الديمقراطيات الليبرالية بأهمية الحاجة إلى التجسس في الخارج بالإضافة الى المراقبة المحلية لمكافحة الإرهاب، ولكن قوة وشدة الضوابط والتوازنات قد تقيد جهاز أمن الدولة. حاليا هذه الضوابط والتوازنات تتعرض للهجوم وتحتاج إلى تحصين، ولكن هذا سيكون تكرارًا للجهود السابقة أكثر منه تحديا جديدا بشكل أساس.

في الغرب، الحكومات ليست الوحيدة التي تشكل تهديدا للحريات الفردية. شركات التقنية الاحتكارية تركز قوتها من خلال اتهام المنافسين والضغط على الحكومات لسن قوانين ملائمة. مع ذلك، تغلبت المجتمعات على هذا التحدي من قبل، بعد ثورات تكنولوجية سابقة. ومن هذه الثورات: طرح الثقة في الرئيس تيودور روزفلت، وتفكك شركة أ تي اند تي AT & T في ثمانينيات القرن العشرين، والحدود والضوابط التي وضعها المنظمون على شركة مايكروسوفت Microsoft أثناء بزوع عصر الإنترنت في التسعينيات.

الشركات الرقيمة العملاقة تشكل ضررا لتنوع وسائل الإعلام ودعم المحتوى الذي يخدم المصلحة العامة بالإضافة إلى انشائها عالم غربي متوحش في طريقة الإعلانات السياسية. لكن التقنيات الراديكالية القديمة، مثل الإذاعة والتلفزيون، كانت أيضا تطرح مشاكل مماثلة، ولكن المجتمعات وقتها ارتفعت إلى مستوى التحدي. في النهاية، من المرجح أن تتمكن القوانين بالتعريف للمفردات الجديدة لكل من “وسائل الإعلام” و “النشر” التي أنشأتها شبكة الإنترنت. قاوم السيد مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لـشركة فيسبوك Facebook تصنيف الإعلانات السياسية بالطريقة نفسها التي تُفرض على التلفزيون، إلى أن تم الضغط عليه سياسيا وكف يده في العام الماضي.

من غير المرجح أن تنتصر الديمقراطيات الليبرالية على النظام الاستبدادي الرقمي. تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن هناك نسبة تتناقص في المجتمعات الغربية والتي تنظر إلى الديمقراطية على أنها “ضرورية”، ولكن هذا يمثل خطوة في طريق طويل من الضعف الحقيقي للديمقراطية الغربية.

ربما يكون التحدي الخارجي الذي يواجهه منافس سلطوي جديد هو تعزيز الديمقراطيات الليبرالية. قد يؤدي النزوع البشري إلى تأطير المنافسة فينا مقابل هذه الشروط إلى قيام الدول الغربية بتحديد مواقفها تجاه الرقابة والمراقبة على الأقل جزئياً في معارضة المنافسة الجديدة. يجد معظم الناس التفاصيل الدقيقة لسياسة البيانات مملة ولا يهتمون بمخاطر المراقبة. ولكن عندما تكون هذه القضايا هي أساس النظام البائس في العالم الحقيقي، فإنها لن تكون بعد ذلك مملة أو مجردة.  الحكومات وشركات التكنولوجيا يتعين عليهم في الديمقراطيات الليبرالية أن يشرحوا كيف يختلفوا فيما بينهم.

دروس للغرب

لا يستطيع الغرب أن يفعل سوى القليل لتغيير مسار بلد قادر وواتق مثل الصين. من المرجح أن تكون الدول الاستبدادية الرقمية موجودة لبعض الوقت. للتنافس معهم، ستحتاج الديمقراطيات الليبرالية إلى استراتيجيات واضحة. أولاً، ينبغي على الحكومات والمجتمعات الحدّ بدقة من التلاعب والمراقبة المحلية. يجب تفكيك شركات التكنولوجيا العملاقة وتنظيمها. تحتاج الحكومات إلى ضمان بيئة إعلامية متنوعة وصحية، على سبيل المثال من خلال ضمان عدم قيام حراس البوابات القساة مثل شركة فيس بوك Facebookبالحد من التعددية الإعلامية؛ تمويل خدمة البث العام؛ وتحديث اللوائح التنظيمية التي تغطي الإعلانات السياسية لتناسب مع عالم الإنترنت. يجب عليهم سن قوانين تمنع شركات التكنولوجيا من استغلال المصادر الأخرى للبيانات الشخصية، مثل السجلات الطبية، من عملائهم، ويجب عليهم تقليص جمع البيانات بشكل جذري من كل المنصات المتعددة التي يتصل بها الأشخاص. حتى الحكومات يجب منعها من استخدام مثل هذه البيانات إلا في حالات قليلة، مثل عمليات مكافحة الإرهاب.

ثانياً، يجب على الدول الغربية أن تعمل على التأثير في ماهية الدول بحيث لا تكون دول ديمقراطية راسخة ولا تكون دول ذو قوة سلطوية تنفذ نظم الذكاء الصناعي والبيانات الكبيرة. يجب عليهم تقديم المساعدات لتطوير البنية التحتية المادية والتنظيمية للدول لكي تستخدم هذه المعونات للتمكن من منع الحكومات من استخدام البيانات المشتركة. يجب عليهم تعزيز المعايير الدولية التي تحترم الخصوصية الفردية وكذلك سيادة الدولة. وينبغي عليهم ترسيم استخدام تقنيات الذكاء الصناعي والبيانات الوصفية لأغراض الأمن القومي المشروعة من استخدامها في قمع حقوق الإنسان.

وأخيراً، يجب على الدول الغربية أن تستعد للرد على القلب النابض للنظام الرقمي الاستبدادي. سوف تصبح أنظمة الذكاء الصناعيالواسعة عرضة للخلل، على الرغم من أن الحكومات أصبحت تعتمد عليها أكثر من أجل الأمن، يجب على الحكومات أن تهتم بأن دورات الثأر الانتقامي (العين بالعين) ألا تخرج عن السيطرة. إن الأنظمة التي تفرض رقابة انتقائية على الاتصالات ستسمح بالإبداع الاقتصادي ولكنها ستكشف أيضاً للعالم الخارجي حتماً. لن يكون النصر في الصراع مع الحكومات الاستبدادية الرقمية مستحيلًا – طالما أن الديمقراطيات الليبرالية يمكنها استحضار الإرادة السياسية اللازمة للانضمام إلى ساحة الصراع.

https://www.foreignaffairs.com/articles/world/2018-07-10/how-artificial-intelligence-will-reshape-global-order

Previous post شركة أبل تسابق الزمن لتصبح أول شركة تبلغ قيمتها تريليون دولار
Next post نصيحة موجزة وبسيطة المستثمر العملاق السيد وارن بافيت