التفرد التقني أصبح أكثر قربا مع تسارع أنظمة الذكاء الاصطناعي

ومضات معرفية من كتاب: التفرد التقني أصبح أكثر قربا عندما نندمج مع الذكاء الاصطناعي

ترجمة وبتصرف: عبدالله سلمان العوامي

مؤلف الكتاب: السيد راي كورزويل Ray Kurzweil، نبذة مختصرة عن سيرته الذاتية تجدها في الصفحة الأخيرة.

تاريخ نشر الترجمة: ١٤ أغسطس ٢٠٢٤م

اسم الكتاب باللغة الإنجليزية:

The Singularity Is Nearer When We Merge with AI

المصدر: منصة الوميض التجارية Blinkist لتلخيص الكتب.

تاريخ اصدار الكتاب للطبعة الجديدة: ٢٥ يونيو ٢٠٢٤م

يستكشف كتاب “التفرد أصبح أكثر قربا“، والذي صدر في عام ٢٠٢٤م، التقدم السريع للذكاء الاصطناعي وإمكاناته لإحداث ثورة في حياة البشرية. ويتناول الكتاب تنبؤات المؤلف السابقة حول وصول الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الذكاء البشري، ويناقش النمو التكنولوجي الهائل والمتسارع، ويتأمل بروية كل الوعود وكذلك جميع المخاطر التي تنطوي عليها المجالات الناشئة مثل تكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية.

يعتبر الكتاب من أكثر الكتب مبيعا حسب تقييم صحيفة نيويورك تايمز AN INSTANT NEW YORK TIMES BESTSELLER

يتناول الكاتب المشهور السيد راي كورزويل Ray Kurzweil في قراءته للمستقبل في هذا الكتاب كيف ستحول التكنولوجيا الجنس البشري في العقود القادمة

منذ طبعة الكتاب الأولى في عام ٢٠٠٥م، تحت عنوان “التفرد بات قريبا” أدى هذا الكتاب ورؤيته لمستقبل هائل ومتسارع الى نشوء حركة عالمية. وقد تحققت تنبؤات السيد كورزويل بشأن التقدم التكنولوجي إلى حد كبير، حيث أصبحت مفاهيم مثل الذكاء الاصطناعي والآلات الذكية والتكنولوجيا الحيوية مألوفة على نطاق واسع لدى الجمهور.

في هذا الكتاب الجديد كليًا، وتحت عنوان “التفرد أصبح أكثر قربا” يقدم السيد راي كورزويل منظورًا جديدًا للتقدم نحو التفرد – من خلال تقييم تنبؤه في عام ١٩٩٩م بأن الذكاء الاصطناعي سيصل إلى مستوى الذكاء البشري بحلول عام ٢٠٢٩م، وفحص هذا التسارع الهائل في نمو للتكنولوجيا – والتي ستؤدي في المستقبل القريب إلى توسيع الذكاء البشري مليون مرة وتغيير حياة الإنسان إلى الأبد.

 

ومن بين المواضيع التي يناقشها الكتاب إعادة بناء العالم، ذرة بذرة باستخدام أجهزة مثل الروبوتات النانوية؛ وإطالة إطالة العمر بشكل جذري إلى ما بعد الحد العمري الحالي البالغ ١٢٠ عامًا؛ وإعادة اختراع الذكاء من خلال ربط أدمغتنا بتقنيات السحابة؛ وكيف تعمل هذه التقنيات الأسيّة (المتسارعة بشكل هائل) على دفع الابتكار إلى الأمام في جميع الصناعات وتحسين جميع جوانب رفاهيتنا مثل انخفاض الفقر والعنف؛ ونمو الطاقة المتجددة والطباعة ثلاثية الأبعاد.

 كما ينظر الكتاب في المخاطر المحتملة للتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو وتقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك مواضيع مثيرة للجدل حاليًا مثل كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على التوظيف وسلامة السيارات ذاتية القيادة، وتكنولوجيا “ما بعد الحياة”، التي تهدف إلى إحياء الأفراد المتوفين افتراضيًا من خلال الجمع بين بياناتهم وحمضهم النووي.

إن كتاب “التفرد أصبح أكثر قربا” هو تتويج لستة عقود من البحث في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو مساهمة المؤلف السيد راي كورزويل الكبرى في قصة هذا العلم والثورة القادمة.

في المحتوى أدناه، استعراض الى ثلاث ومضات معرفية موجزة من هذا الكتاب، بالإضافة الى مقدمة وملخص نهائي عن هذه الومضات:

 

مقدمة – لمحة عن مستقبلنا الهائل والمتسارع:

في عام ٢٠٠٥م، كتب السيد كورزويل كتابه الرائد “التفرد بات قريبا”. ومنذ ذلك الحين، زادت كمية القدرة الحاسوبية التي يمكن شراؤها مقابل الدولار بمقدار ١١،٢٠٠ مرة. في عام ٢٠٠٥م، كانت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي في مهدها. واليوم، أصبحت في كل مكان، وتربط مليارات البشر في جميع أنحاء العالم ببعضهم البعض. وفي عالم الأحياء، انخفضت تكلفة تسلسل الجينوم البشري بنسبة ٩٩.٩٩٧ في المائة.

إن هذه ليست مجرد صدفة، بل هي في واقع الأمر مظاهر لما يسميه السيد كورزويل “قانون العوائد المتسارعة”. وينص هذا القانون على أن تكنولوجيا المعلومات تصبح أرخص بشكل كبير بمرور الوقت، حيث يسهل كل تقدم تقني تصميم النسخة التالية لتقنية متقدمة. ويتجلى عمل هذا القانون في حقيقة مفادها أنه في الفترة من عام ١٩٥٩م إلى عام ٢٠٢٣م، تضاعفت كمية القوة الحسابية للأجهزة التي يمكن شراؤها مقابل دولار واحد بمقدار ١.٦ تريليون.

إن وتيرة التغيير تتسارع، ونحن ندخل ما يسميه السيد كورزويل “الجزء الحاد من المنحنى الأسّي”.

في هذه الومضات المعرفية، ستدرك لماذا يتنبأ السيد كورزويل بقدوم التفرد، وهو حدث تحولي في تاريخ البشرية حيث يصبح النمو التكنولوجي خارجًا عن السيطرة ولا رجعة فيه، مما يؤدي إلى تغييرات لا يمكن التنبؤ بها في الحضارة الإنسانية.

ومضة رقم ١ – الطريق إلى الآلات الذكية:

من أجهزة الكمبيوتر البدائية في الخمسينيات إلى روبوتات الدردشة بتقنيات بالذكاء الاصطناعي هذه الأيام، كان السعي وراء الذكاء الآلي قصة مليئة بالاختراقات والانتكاسات والتحولات النموذجية. إنها قصة لفلسفتين متنافستين، واختراقات تكنولوجية، وأسئلة تلوح في الأفق حول طبيعة الإدراك.

في خمسينيات القرن العشرين، ومع ظهور أجهزة الكمبيوتر كأداة واعدة في الحسابات المعقدة، ظهرت مدرستان فكريتان حول كيفية خلق الذكاء الآلي.

 النهج الرمزي The symbolic approach، الذي تبناه باحثون مثل السيد جون مكارثي John McCarthy، وهو سعى إلى تكرار التفكير البشري من خلال قواعد واضحة ومنطق صريح. تخيل مخططًا انسيابيًا ضخمًا يملي كيفية الاستجابة لكل موقف محتمل. أظهرت هذه الطريقة وعدًا مبكرًا في مجالات ضيقة ولكنها سرعان ما اصطدمت بالحائط عندما واجهت الفروق الدقيقة في العالم الحقيقي.

وفي الوقت نفسه، استوحى النهج الارتباطي The connectionist approach الإلهام من الدماغ البشري نفسه. فبدلاً من القواعد المبرمجة، استخدم شبكات من العقد البسيطة لتعلم الأنماط من البيانات. وكانت شبكة “بيرسيبترون Perceptron” التي ابتكرها السيد فرانك روزنبلات Frank Rosenblatt، عبارة عن شبكة عصبية مبكرة من ستينيات القرن العشرين، قادرة على التعرف على الأشكال الأساسية البسيطة. ولكنها واجهت صعوبات في التعامل مع مهام أكثر تعقيداً، الأمر الذي دفع كثيرين إلى رفض هذا النهج باعتباره طريقاً مسدوداً.

على مدى عقود من الزمان، تذبذبت أبحاث الذكاء الاصطناعي بين هذين النموذجين، فأحرزت تقدما تدريجيا ولكنها فشلت في تحقيق المرونة التي يتمتع بها البشر. وبدأت اللعبة تتغير في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع صعود تقنيات التعلم العميق deep learning. فمن خلال الاستفادة من كميات هائلة من البيانات وزيادة القوة الحسابية بشكل كبير، ابتكر الباحثون شبكات عصبية ذات طبقات عديدة، قادرة على اكتشاف أنماط دقيقة قد لا يلاحظها البشر أبدا.

كانت النتائج ثورية بكل المقاييس. ففي عام ٢٠١٥م، صدمت شركة ديب مايند DeepMind التابعة لشركة جوجل Google العالم عندما هزمت ألفا جو AlphaGo بطل العالم في لعبة جو Go، وهي اللعبة التي طالما اعتبرت معقدة للغاية بحيث لا تستطيع الآلات إتقانها. ولكن هذه كانت مجرد البداية. وبحلول عام ٢٠٢٣م، كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي تكتب مقالات متماسكة، وتولد صورًا واقعية من أوصاف النصوص، وتشارك في محادثات مفتوحة يمكن أن تخدع القضاة البشريين.

ولنتأمل هنا روبوت الدردشة شات جي بي تي-٣ GPT-3 ــ الذي أطلقه الذكاء الاصطناعي إلى الوعي العام. هذا النموذج اللغوي، الذي تم تدريبه على مجموعة هائلة من النصوص على شبكة الإنترنت، قادر على كتابة كل شيء من الشعر إلى رموز برمجيات الكمبيوتر. وهو لا يكتفي بإعادة صياغة المعلومات ــ بل يجمع بين المفاهيم بطرق جديدة، ويعرض في بعض الأحيان ومضات من الإبداع تبدو وكأنها بشرية بشكل مخيف. وعندما طلب مبرمج الكمبيوتر السيد ماكاي رايجلي Mckay Wrigley من روبوت الدردشة GPT-3 الإجابة على سؤال على غرار أسلوب عالم النفس السيد سكوت باري كوفمان Scott Barry Kaufman، أنتج الذكاء الاصطناعي اجابة أصيلة وصحيحة حيث أقر السيد كوفمان نفسه بأنها تبدو أصيلة.

ولكن على الرغم من كل قدراتها المذهلة، لا تزال أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم تفتقر إلى عنصرين أساسيين وحاسمين من عناصر الإدراك البشري، وهما: الذاكرة السياقية والاستدلال السليم.

وتسمح لنا الذاكرة السياقية بالحفاظ على التماسك في المحادثات الطويلة أو أثناء كتابة وثائق موسعة. وكثيراً ما تفتقد نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية السياق بعد بضع فقرات، مما يؤدي إلى تناقضات أو عدم تسلسل في المخرجات الطويلة كثيرا.

إن الاستدلال السليم ــ وهو قدرتنا على استخلاص استنتاجات عن العالم استناداً إلى المعرفة العامة ــ يشكل تحدياً أعظم. فالعقل البشري يدرك بسهولة أنه إذا أسقطنا بيضة فإنها سوف تنكسر، أو أن الأطفال الذين يركضون في المطبخ بأحذيتهم الموحلة، فانه من المرجح أن يزعجوا والديهم. ولكن حتى ذلك الذكاء الاصطناعي الذي يستطيع أن يؤدي مهاماً معينة على مستوى حامل شهادة الدكتوراه، فانه لازال يكافح أحياناً مع هذا النوع من الأحكام البديهية، وغالباً ما يرتكب أخطاء قد تكون واضحة حتى عند الاطفال.

وتسلط هذه القيود الضوء على الفجوة بين الذكاء الاصطناعي الضيق narrow AI، الذي يتفوق في أداء مهام محددة، والذكاء الاصطناعي العام (AGI) ، وهو نظام يتمتع بمرونة شبيهة بالمرونة البشرية في جميع المجالات المعرفية. ولم نصل إلى هذه المرحلة بعد. ويقدر السيد كورزويل أننا سنصل إلى الذكاء الاصطناعي العام في عام ٢٠٢٩م.

ولكن ماذا سيحدث عندما نتمكن أخيرا من سد هذه الفجوة؟ يعتقد السيد كيرزويل أننا سنبدأ في الاقتراب من لحظة محورية تعرف باسم “التفرد”. فبمجرد أن تصل أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى قدرات بشرية في مجالات مثل البرمجة والبحث العلمي، فإنها ستبدأ بسرعة في تحسين نفسها، حيث تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاء على بناء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر ذكاء، وهكذا. وهذا ما يُعرف باسم “الانفجار الذكي intelligence explosion”، وهي عملية جامحة قد تؤدي إلى ظهور الذكاء الاصطناعي الفائق الذكاء superintelligent AI، وهي عقول تتفوق على القدرات المعرفية البشرية بشكل جذري كما نتفوق نحن البشر على قدرات النمل.

ويتوقع السيد كورزويل أن تصل لحظة التفرد في عام ٢٠٤٥م تقريبا. وسوف يكون هذا عالماً يتلاقى فيه الذكاء البيولوجي والاصطناعي. وسوف يصبح التمييز بين الاثنين لا معنى له حيث يمكننا تعزيز قدرة أدمغتنا بأدمغة الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي من شأنه أن يوسع قدراتنا المعرفية إلى مستويات هائلة.

إن العواقب المترتبة على مثل هذا الحدث عميقة ومن الصعب التنبؤ بها. فهل تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي الفائق الذكاء superintelligent AI خيراً للإنسانية، أم أنه قد يسعى إلى تحقيق أهداف لا تتماشى مع رفاهيتنا؟ وهل يمكننا الاندماج مع تقنيات هذه الأنظمة الذكية، وتعزيز قدراتنا المعرفية؟ هذه الأسئلة، التي كانت في يوم من الأيام من عالم الخيال العلمي، أصبحت ذات أهمية متزايدة مع نمو قدرات الذكاء الاصطناعي.

ومضة رقم ٢ – العجائب المجهرية:

تخيل مستقبلاً أن تتمكن من حبس أنفاسك لمدة أربع ساعات، والتفكير بسرعة أكبر ألف مرة من سرعة تفكيرك الآن، والعيش لقرون ــ كل هذا وأنت تبدو شاباً أو عجوزاً كما يحلو لك. هذه بعض الاحتمالات التي اقترحها أنصار تكنولوجيا النانو nanotechnology. ومع وقوفنا على أعتاب ثورة في الطب والتكنولوجيا، فقد نشهد تحولاً من شأنه أن يعيد تشكيل فهمنا للصحة والشيخوخة وما يعنيه أن تكون إنساناً.

إن الطب اليوم، على الرغم من عجائبه، هو فن غير دقيق. فالأطباء غالبا ما يصفون العلاجات التي تنجح مع أغلب المرضى، وهم يدركون أنها قد لا تكون مثالية للجميع. ولكن هناك نقلة نوعية تجري حاليا. فمن خلال دمج التكنولوجيا الحيوية مع الذكاء الاصطناعي والمحاكاة الرقمية، قد يصبح الطب يوما ما تكنولوجيا معلومات ــ وهي تكنولوجيا يمكن أن تستفيد من نفس التقدم الهائل الذي شهدناه في مجال الحوسبة.

ويرى السيد كورزويل أن هذا التحول يتكشف عبر ثلاث مراحل. الأولى، التي تجري الان بالفعل، وهي تتضمن تطبيق معرفتنا الحالية في مجال الأدوية والتغذية بشكل أكثر فعالية. والمرحلة الثانية، التي بدأت للتو، وهي تجمع بين التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي لتسريع اكتشاف العلاج. تخيل تصميم واختبار علاجات رائدة في غضون أيام باستخدام المحاكاة الرقمية، بدلاً من قضاء سنوات في التجارب السريرية. والمرحلة الثالثة، التي يتوقعها السيد كورزويل في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، وهي تعد بالتغلب بشكل جذري على القيود البيولوجية.

إن تكنولوجيا النانو ــ هي امكانية التلاعب بالمادة على المستوى الذري ــ وهي المفتاح إلى هذا المستقبل. ولنأخذ على سبيل المثال المجمعات الجزيئية، وهي الأجهزة التي توضع على سطح المكتب والقادرة على تصنيع أي جسم مادي تقريبا من خلال ترتيب الذرات بدقة. ومن الممكن أن تنتج هذه المجمعات الجزئية كل شيء من الغذاء إلى الإلكترونيات، وربما بتكلفة زهيدة للرطل الواحد. وفي عالمنا هذا اليوم، لن تكمن القيمة الحقيقية للمنتجات في المواد التي تصنع منها، بل في المعلومات التي تحتوي عليها ــ الإبداع والتصميم اللذان دخلا في تصنيعها.

إن تأثير التكنولوجيا النانوية الطبية سيكون عميقا. تخيل أسراب من الروبوتات النانوية تتدفق في مجرى دمك، وتصلح الضرر على المستوى الخلوي. يمكن لهذه الآلات الصغيرة تحسين مستويات الهرمونات لديك، ومنع الأمراض قبل ظهورها، وحتى استبدال الأعضاء بالكامل بنسخ اصطناعية متفوقة. يمكن القضاء على السرطان خلية بخلية، وبدقة تتجاوز بكثير العلاجات الحالية. يمكن ضبط جيناتك في الوقت الحقيقي، مما يمنع تراكم الأخطاء التي تؤدي إلى الشيخوخة.

والدماغ سوف يتحول أيضا. فقد تتمكن الروبوتات النانوية من إصلاح التلف العصبي واستبدال الخلايا العصبية غير العاملة. كما أنها سوف تمكن من إنشاء واجهات الدماغ والحاسوب التي من شأنها أن تدمج عقولنا مع شبكات المعرفة السحابية الضخمة فضلا عن التحكم العصبي المباشر في الآلات. ومن الممكن أن يؤدي هذا الاندماج بين الذكاء البيولوجي والذكاء الرقمي إلى توسيع قدراتنا المعرفية بطرق لا نستطيع أن نتخيلها ــ وربما يسمح لنا بتصور مفاهيم معقدة متعددة الأبعاد من المستحيل تصورها في هذا اليوم.

لا شك أن ثورة التكنولوجيا النانوية هذه من شأنها أن تعيد تشكيل المجتمع. ومن المرجح أن تصبح الندرة المادية شيئاً من الماضي، الأمر الذي قد يسمح بتوفير الاحتياجات الأساسية على مستوى العالم. ولكن وتيرة هذا التغيير ومدى إنصافه سوف يعتمدان على العوامل الثقافية والسياسية بقدر ما يعتمدان على العوامل التكنولوجية.

يعتقد السيد كورزويل أنه بحلول خمسينيات القرن الحادي والعشرين ٢٠٥٠م، قد نصل إلى نقطة تتجاوز فيها قوة الحوسبة التي تبلغ قيمتها ألف دولار قدرة الدماغ البشري بملايين المرات. وهذا يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الوعي والهوية. وبينما نعيد بناء أجسادنا وأدمغتنا، ونترك حدودنا البيولوجية الطبيعية وراء الغبار، يبقى السؤال: ماذا يعني أن نكون بشرًا – أو ما بعد البشر؟ وبينما نكتسب القدرة على إعادة تشكيل أجسادنا وعقولنا حسب إرادتنا، وماذا سنختار أن نصبح؟

ومضة رقم ٣ – الذكاء الاصطناعي والمستقبل القريب للعمل:

ما هو مستقبل العمل في العقد القادم وكيف نستعد له؟ إذا لم نفهم القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي والأتمتة، فقد نضيع وقتًا وموارد ثمينة في محاولة الاستعداد لعالم لن يكون موجودًا.

على مدى أكثر من قرنين من الزمان، أعادت التكنولوجيا تشكيل مشهد الإنتاج وتوظيف القوى العاملة. ففي أوائل القرن التاسع عشر، كان أكثر من ٨٠% من الأميركيين يعملون في الزراعة. واليوم، تقل هذه النسبة عن ١.٥%. وبلغت العمالة في قطاع التصنيع ذروتها عند ٢٧% في عام ١٩٢٠م، ثم انخفضت منذ ذلك الحين إلى نحو ٨%. ولكن على الرغم من هذه التحولات الهائلة، فقد ارتفعت مستويات التوظيف والمعيشة بشكل عام وباستمرار، مع ظهور صناعات جديدة لتحل محل الصناعات القديمة.

ولكن هل تختلف الموجة الحالية من الاضطرابات التكنولوجية؟ فقد أصبحت تقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات قادرة الآن على أتمتة مجموعة واسعة من المهام المعرفية التي كان يُعتقد في السابق أنها حكر على البشر. على سبيل المثال، تهدد المركبات ذاتية القيادة بإزاحة ملايين السائقين المحترفين في السنوات القادمة. وقد قدرت دراسة بارزة أجرتها جامعة أكسفورد Oxford University في عام ٢٠١٣م أن ما يقرب من نصف الوظائف في الولايات المتحدة معرضة لخطر الأتمتة بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين ٢٠٣٠م.

ومع تطلعنا إلى المستقبل، تصبح إمكانية التغيير أكثر عمقا. وبحلول ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، يتوقع السيد كورزويل أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية في أغلب المهام المعرفية. وهذا لا يعني أن عقول البشر سوف يعفو عليها الزمن، بل إن أدوارنا في القوى العاملة سوف تتغير جذريا. ومن المرجح أن نتكيف من خلال تعزيز قدراتنا عبر التفاعل المباشر مع الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة. تخيل أن يكون لديك إمكانية الوصول الفوري إلى مجموع المعرفة البشرية أو أن تكون قادرا على إجراء حسابات معقدة بسهولة مثلما تتنفس بسهولة. إن هذا التعايش بين الإنسان والذكاء الاصطناعي من شأنه أن يعيد تعريف معنى أن تكون “ماهرا” في مكان العمل.

ستحتاج أنظمة التعليم الى أن تخضع لعملية تحول جذري. فبدلاً من إعداد الطلاب لمهن محددة قد لا تكون موجودة بعد عقد من الزمان، سوف يتحول التركيز إلى تطوير القدرة على التكيف والإبداع والقدرة على التعاون بشكل فعال مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. ولن يصبح التعلم مدى الحياة مجرد عبارة طنانة، بل ضرورة مع تسارع وتيرة التغيير التكنولوجي.

في غضون ذلك، سيشكل هذا الانتقال إلى أنماط عمل جديدة انتاج تحديات لصناع السياسات. ومن المرجح أن تحتاج شبكة الأمان الاجتماعي إلى التوسع لتخفيف التأثير الاقتصادي من الاضطراب التكنولوجي. وقد نشهد تطور الدخل الأساسي الشامل (UBI) أو برامج مماثلة لضمان قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية عند تراجع أهمية الصناعات والأدوار التقليدية للاقتصاد. ويعتقد السيد كورزويل أنه بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين في البلدان المتقدمة، وبحلول أواخر ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين على مستوى العالم، قد نرى شكلاً من أشكال الدخل الأساسي الشامل يوفر مستوى معيشي يعتبر مريحًا وفقًا لمعايير اليوم.

ولعل الجانب الأكثر إثارة في هذه الثورة التكنولوجية يتمثل في إمكانية خلق عصر من الوفرة غير المسبوقة. ومن المتوقع أن يؤدي التقدم الهائل في الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتكنولوجيا النانو إلى خفض تكاليف السلع والخدمات بشكل كبير. وبحلول ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين ٢٠٣٠م، قد يكون من الممكن إنتاج الغذاء والطاقة والسلع المصنعة بجزء بسيط من قيمة تكاليف هذه الأيام.

إن هذه الوفرة قد تغير بشكل جذري طبيعة الندرة والمنافسة في المجتمع. تخيلوا عالماً لا يحتاج فيه أحد إلى القلق بشأن الحصول على ما يكفيه من الطعام أو سقفا فوق رأسه. في مثل هذا السيناريو، قد يتحول تركيز المساعي البشرية من تلبية الاحتياجات الأساسية إلى ملاحقات أعلى مستوى مثل الاكتشاف العلمي والتعبير الفني والاستقصاء الفلسفي.

ولكن يتعين علينا أن نتوخى الحذر في افتراض أن هذا التحول سوف يتم بسلاسة أو يحدث تلقائيا. ولابد من تقاسم فوائد التقدم التكنولوجي على نطاق واسع لمنع تفاقم التفاوت. وفي عالم عندما لا يكون العمل التقليدي المصدر الأساسي للهوية بالنسبة لكثير من الناس، هناك أسئلة تتعلق بالمعنى والهدفية سوف يتعين علينا أن نتصدى لها.

وعلاوة على ذلك، لن تتجلى هذه الوفرة بشكل موحد في جميع القطاعات في وقت واحد. ففي حين أصبحت قوة الحوسبة أرخص بشكل كبير على مدى العقود الماضية، شهدت مجالات مثل الرعاية الصحية ارتفاعا في التكاليف. وسوف تكون هناك حاجة إلى سياسات ذكية لضمان انتشار التأثيرات الانكماشية للذكاء الاصطناعي والأتمتة إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والطب.

ومع وقوفنا على حافة هذه الثورة التكنولوجية، فإن التحدي الذي يواجهنا لا يقتصر فقط على تطوير هذه التقنيات التحويلية، بل ويتلخص أيضا في تسخيرها على النحو الذي يعود بالنفع على البشرية جمعاء. إن المستقبل الذي يتصوره السيد كورزويل يحمل في طياته إمكانيات غير مسبوقة ــ ولكن تحقيق كامل إمكاناته سوف يتطلب التبصر والحكمة والالتزام بالرخاء المشترك.

الملخص النهائي:

والخلاصة الرئيسية من هذه الومضات المعرفية هي أننا على أعتاب تغييرات ثورية يقودها الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، وغيرها من التقنيات المتسارعة.

إن هذه التطورات تعد بتحويل الطب والعمل وطبيعة القدرات البشرية ذاتها. فالذكاء الاصطناعي يقترب من مستوى الإدراك البشري. وقد تعمل تكنولوجيا النانو على إطالة أعمارنا وقدراتنا الإدراكية بشكل كبير. ومن المرجح أن ينطوي مكان العمل في المستقبل على تعاون وثيق بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يتطلب أشكالاً جديدة من التنظيم والدعم الاجتماعي.

إن الطريق إلى التفرد ليس مسارا سلسا ومحددا سلفا. بل إنه رحلة تتطلب التعامل بحذر مع التحديات الأخلاقية والاجتماعية والتكنولوجية. ولكن إذا صدقت تنبؤات السيد كورزويل، فإن العقود القليلة المقبلة سوف تكون الأكثر تحولا في تاريخ البشرية، وسوف تبشر بمستقبل يصعب علينا أن نتخيله.

نبذة مختصرة عن المؤلف:

السيد راي كورزويل Ray Kurzweil هو مخترع مشهور وقارئ للمستقبل من الطراز العالمي وله تاريخ حافل في التنبؤات التكنولوجية الدقيقة يمتد لخمسة وثلاثين عاما. ورائد في مجال الذكاء الاصطناعي لمدة ٦١ عاما وهي مدة أطول من أي شخص حي آخر. وهو باحث رئيسي وصاحب رؤية في مجال الذكاء الاصطناعي في شركة جوجل Google.

وقد قدم مساهمات في مجالات مختلفة، حيث كان هو المخترع الرئيسي لجهاز المسح الضوئي المسطح CCD، جهاز التعرف الضوئي على الحروف متعدد الخطوط، وآلة قراءة الطباعة إلى كلام للمكفوفين، وجهاز توليد النص إلى كلام، وجهاز توليد الموسيقى القادر على إعادة إنشاء البيانو الكبير وغيره من الآلات الأوركسترالية، وبرامج التعرف على الكلام ذات المفردات الكبيرة التي يتم تسويقها تجاريًا.

حصل المؤلف على جائزة جرامي Grammy Award عن إنجازاته المتميزة في تكنولوجيا الموسيقى؛ كما حصل على الميدالية الوطنية للتكنولوجيا وتم إدخاله إلى قاعة مشاهير المخترعين الوطنية.

كما ألف العديد من الكتب الأكثر مبيعًا مثل كتاب التفرد بات قريبا The Singularity Is Near وكتاب عصر الآلات الروحية The Age Of Spiritual Machines. وكتاب دانييل: سجلات بطلة خارقة Danielle: Chronicles of a Superheroine، والفائز بجوائز متعددة في مجال الخيال العلمي الشبابي. بالإضافة الى هذا الكتاب التفرد أصبح أكثر قربا The Singularity Is Nearer

Previous post حمية لاعادة ضبط الأيض باصلاح الكبد
Next post ترتيب سريرك بانتظام وفي كل صباح يمكن ان يغير حياتك