
ومضات معرفية من كتاب ” الدماغ الذي لا يشيخ: كيف تشحذ عقلك وتحافظ عليه مدى الحياة”
ترجمة وبتصرف: عبدالله سلمان العوامي
تاريخ نشر الترجمة: ٤ يونيو ٢٠٢٥م
تاريخ اصدار الكتاب بغلاف مقوى: ٢٥ مارس ٢٠٢٥م
مؤلف الكتاب: الدكتور ديل بريديسين Dr Dale Bredesen، نبذة مختصرة عن سيرته الذاتية تجدها في الصفحة الأخيرة.
المصدر: منصة الوميض التجارية Blinkist لتلخيص الكتب.
اسم الكتاب باللغة العربية والإنجليزية:
الدماغ الذي لا يشيخ: كيف تشحذ عقلك وتحافظ عليه مدى الحياة
The Ageless Brain: How to Sharpen and Protect Your Mind for a Lifetime
تنصل:
هذه الترجمة لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو رفضًا للمحتوى الأصلي، وإنما الهدف منها هو نشر المعرفة وعرض وجهات نظر متنوعة. قد تحتوي المادة المترجمة على معلومات لا تتوافق بالضرورة مع بعض المعتقدات أو التوجهات الشخصية، إلا أنها محاولة جادة لنقل الفكرة الأساسية مع الحفاظ قدر الإمكان على السياق العام، وإن لم تكن الترجمة دقيقة تمامًا.
نسعى من خلال هذه الترجمات إلى توسيع آفاق التفكير وتعزيز التواصل الثقافي والفكري، عن طريق تقديم أبحاث ورؤى في مجالات متعددة مثل الصحة، والتقنية، والاقتصاد وغيرها، مما يُتيح للقارئ العربي الاطلاع على مختلف وجهات النظر بلغته الأم، وتعزيز التفاهم بين الثقافات الى جانب تشجيع النقاش الموضوعي للاستفادة منها أو نقدها بشكل واعٍ وبنّاء.
تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون Amazon:
كتاب من الأكثر الكتب مبيعًا في قائمة صحيفة نيويورك تايمز! New York Times ومن مؤلف كتاب “نهاية مرض الزهايمر The End of Alzheimer” الأكثر مبيعًا أيضا، الدكتور ديل بريديسين Dr. Dale Bredesen ، وهو يأتينا في هذا الكتاب بنهج ثوري جديد للوقاية من ظهور الأمراض التنكسية العصبية وخلق صحة دماغية مستدامة.
خلال العقود الأخيرة، غيّرت التطورات الطبية طريقة تفكيرنا حول صحتنا. فالأمراض المزمنة مثل السمنة، وأمراض القلب، ٠والسكري أصبح بالإمكان الوقاية منها أو عكس مسارها. وأصبحت علاجات السرطان أكثر استهدافًا وتخصيصًا. كما أن تحرير الجينات سيسمح لنا بالقضاء على العديد من الاضطرابات الوراثية. ولكن هناك فئة واحدة من الحالات المرضية لا تزال تتحدى الباحثين وتسبب معاناة هائلة، وهي: الأمراض التنكسية العصبية neurodegenerative.
يعيش أكثر من ستة ملايين أمريكي مع مرض الزهايمر؛ ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى ثلاثة عشر مليونًا بحلول عام 2050. بالإضافة إلى ذلك، هناك واحد من كل عشرة أشخاص فوق سن الخامسة والستين يعانون من الخرف، بينما يعيش 22٪ من كبار السن مع نوعٍ من أشكال الضعف الإدراكي. ولا تقتصر هذه الحالات على كبار السن فقط؛ فقد ارتفعت معدلات التشخيص بين البالغين الأصغر سنًا (الشباب)، كما أن النساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال. بالنسبة للكثيرين – خاصة أولئك الذين لديهم استعداد وراثي – وكأن هذا المصير يبدو حتميًا. حتى وقت قريب.
الدكتور ديل بريديسين هو رائد في مجال أبحاث الأمراض التنكسية العصبية neurodegenerative. وقد نال الثناء على بروتوكوله العلاجي المتكامل، حيث تمكن من عكس مسار أعراض الزهايمر والخرف في دراسات سريرية. وقد شارك بهذه المعلومات في كتابه الأكثر مبيعًا “نهاية مرض الزهايمر”. لكن الدكتور بريديسين لا يريد فقط معالجة أعراض هذا المرض المدمر؛ بل يسعى إلى الوقاية منه قبل أن يتطور أصلاً.
في هذا الكتاب “الدماغ الذي لا يشيخ” (The Ageless Brain)، سيشارك الدكتور بريديسين أحدث وأهم ما توصل إليه العلم حول الأمراض التنكسية العصبية، بما في ذلك كيف أن الفهم الخاطئ لهذه الأمراض أعاق جهودنا لعلاجها، بالإضافة إلى برنامج وقائي يمكن للقراء من جميع الأعمار تطبيقه عمليًا لتحسين صحتهم الإدراكية الآن والمحافظة عليها لسنوات قادمة.
هذا الكتاب موجه لكل من يهتم بقدرته على البقاء متقد الذهن ومستقلاً طوال حياته، ولمن شهد تدهور أفراد من عائلته، وللعديد من القراء الذين بدأوا يلاحظون لحظات من تشوش الذهن أو التعب العقلي في منتصف العمر ويشعرون بالقلق حيال المستقبل. وكما قدم مؤلفون مثل الدكتور بيتر عطية Dr. Peter Attia والدكتور مايكل غريغر Dr. Michael Greger إرشادات أساسية للحفاظ على الصحة العامة وطول العمر، الا أن كتاب الدكتور بريديسين يعتبر الوحيد الذي يحتاجه القراء للحفاظ على عقولهم النابضة بالحياة – والازدهار مدى الحياة.
المحتوى التالي هو ترجمة للنص الإنجليزي في منصة الوميض Blinkist. وهو مكون من مقدمة وخلاصة نهائية بالإضافة الى ٥ ومضات معرفية. وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب:
المقدمة – وصفة لدماغ أكثر صحة.
تدخل إلى غرفة وتنسى سبب دخولك. تضع مفاتيحك في غير مكانها – مجددًا. تحاول تذكر كلمة مألوفة، لكنها تختفي من ذهنك. نحن جميعا نضحك على مثل هذه اللحظات ونقول: “مجرد تقدم في العمر، على ما يبدو.”
لكن مع تكرار هذه الهفوات الذهنية (الزلات الإدراكية)، يبدأ القلق في التسلل الى تفكيرنا. هل هذه بداية لشيء أسوأ؟ هذا هو السؤال الجوهري في كتاب “الدماغ الذي لا يشيخ”. للدكتور ديل بريديسين حيث يتحدى الافتراض الشائع بأن التدهور المعرفي جزء لا مفر منه من الشيخوخة. بالاعتماد على عقود من العمل السريري وأحدث الأبحاث، يقدم المؤلف منهجًا شاملاً لا يقتصر فقط على الوقاية، بل قد يؤدي أيضًا إلى عكس هذا التدهور.
بدلاً من الاستسلام السلبي لانحدار الذاكرة نحو الزهايمر، يحثنا الدكتور بريديسين على إدراك القدر الكبير من السيطرة التي نمتلكها بالفعل. ولا يقتصر الأمر على مجرد نظريات – فهو يدعم ادعاءاته بالأدلة العلمية، والخبرة الطبية، وإطار عمل جديد وقوي للتفكير في صحة الدماغ.
سواء كنت في العشرينات أو التسعينات من عمرك، يقدم كتاب “الدماغ الذي لا يشيخ” استراتيجيات عملية للحفاظ على صفاء الذهن وتعزيزه طوال حياتك. لذا، إذا سبق لك أن تساءلت عما إذا كان التقدم في العمر يجب أن يعني فقدان قدراتك الذهنية، فإن هذه الومضات تقدم لك إجابة واعدة وملهمة.
الومضة الأولى – يمكن الوقاية من التدهور المعرفي
كانت السيدة نينا Nina في الأربعينيات من عمرها عندما بدأت تنسى بعض الأشياء. لم يكن الأمر كبيرًا – فقط كانت تضع بعض الأغراض في غير مكانها بين الحين والآخر، أو تشعر أحيانًا بضبابية في التفكير. لكن هذا أمر طبيعي، أليس كذلك؟ إنه مجرد جزء من التقدم في العمر.
حسنًا، وفقًا للدكتور ديل بريديسين، هذا هو التفكير الخاطئ تمامًا. فقد يكون التدهور المعرفي شائعًا، لكنه ليس أمرًا طبيعيًا ينبغي تجاهله. عندما نبدأ في ملاحظة هذه العلامات – أو من الأفضل حتى قبل ظهورها – علينا أن نتخذ إجراءات فورية.
لذلك، بعد أن بدأت حالات النسيان هذه تتكرر، أجرت السيدة نينا اختبارًا يُعرف باسم “تقييم مونتريال المعرفي” أو MoCA، وهو اختبار يُستخدم لتقييم الصحة المعرفية. يشير الحصول على درجة بين 19 و25 إلى وجود درجة معينة من الضعف المعرفي.
والمقلق أن السيدة نينا حصلت على درجة 23. فعلى الرغم من أنها كانت لا تزال شابة نسبيًا، إلا أنها بدأت بالفعل تظهر عليها علامات التدهور المعرفي – وهو أمر يثير القلق بشكل خاص بالنظر إلى تاريخ عائلتها مع مرض ألزهايمر.
لسوء الحظ، هذا ليس أمرًا غريبًا. اليوم، بدأ الناس يصابون بمرض ألزهايمر في سنٍّ أبكر من أي وقت مضى. الأسباب ليست مفهومة بالكامل. جزء من هذا الاتجاه قد يعكس تحسّن أدوات التشخيص – نحن ببساطة أصبحنا أفضل في اكتشاف المرض مبكرًا. لكن هناك عوامل أخرى مساهمة، مثل ارتفاع معدلات السمنة والتعرض المستمر للشاشات، قد تلعب أيضًا دورًا في ذلك.
ومهما كان السبب، فلا شك أن الناس أصبحوا يظهرون الأعراض في وقت أبكر. ومع أن هذا أمر مقلق، هناك خبر سار – التدهور المعرفي يمكن الوقاية منه، بل ومن المحتمل عكس مساره أيضًا.
إن هذا ليس علمًا سائدًا بعد. فالعديد من الأطباء يتعاملون مع التدهور المعرفي وكأنه أمر حتمي. ولكن في تجربة الدكتور بريديسن، الأمر ليس كذلك ببساطة. لقد أجرى الأبحاث، ورأى ما يمكن أن يحدث عندما يقوم الناس بالتدخلات اللازمة، خاصة إذا كانوا استباقيين مثل السيدة نينا.
المشكلة هي أن الخرف غالبًا ما يتسلل إلى الناس تدريجيًا. إنهم يستهينون به ويعتبرونه مجرد نسيان بسيط أو ضبابية في التفكير – أو جزء طبيعي من الشيخوخة. ولا يدركون مدى تراجعهم إلا بعد أن يكون التدهور قد بلغ مرحلة متقدمة بالفعل.
إذًا، ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟ بحسب الدكتور بريديسن، أفضل ما يمكن فعله هو اتباع نهج وقائي. وكلما كان ذلك مبكرًا كان أفضل. إذا كنت في العشرينات من عمرك، ابدأ في إجراء تغييرات على نمط حياتك الآن، من أجل حماية صحتك الذهنية على المدى الطويل. وإذا كنت أكبر سنًا؟ حسنًا، أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا.
الرسالة الجوهرية بسيطة لكنها قوية: التدهور المعرفي ليس قدرًا محتومًا. يمكنك الحفاظ على ذهن حاد وشبابي حتى بعد سن الستين وما بعدها. المفتاح هو أن تتخذ بعض الإجراءات – وفي الومضات التالية، سنوضح لك كيف تفعل ذلك.
الومضة الثانية – فحوصات الصحة الدماغية
تعد الفحوصات نقطة انطلاق ممتازة عندما يتعلق الأمر بالوقاية من التدهور المعرفي. فهي تمنحك بيانات مفيدة – لمحة عن وضعك الذهني الحالي تساعدك في تحديد الخطوات التالية بعد الفحوصات.
فيما يتعلق بالتنكس العصبي، هناك ست عمليات تؤثر بشكل كبير على أدمغتنا:
- الالتهاب،
- والطاقة،
- والسمّية،
- والناقلات العصبية،
- والدعم الغذائي،
- والإجهاد.
لفهم كيف يمكن أن تؤثر هذه العوامل عليك، ستحتاج إلى فحص مؤشرات حيوية محددة – وهذا يعني إجراء تحاليل طبية. من الأفضل أن تكون هذه التحاليل جزءًا من الفحوصات الدورية لصحتك.
يوصي الدكتور بريديزن بالاختبارات التالية:
- تحليل أيض الجلوكوز glucose metabolism،
- مستويات الكيتون ketone levels،
- مستويات Apo B،
- اختبار Hs-CRP،
- ومستوى الهوموسيستين homocysteine.
الآن، هذه الفحوصات لا تقيس الدماغ بشكل مباشر. ولكن من البديهي أن نقول إننا لسنا مجرد دماغ فقط. معرفة ما يحدث في أجسامنا يمكن أن يخبرنا الكثير عن حالة صحة أدمغتنا. من خلال مراقبة هذه المؤشرات الحيوية، قد تكتشف علامات مبكرة على وجود خلل — وهي عبارة عن إشارات خفية تدل على أن دماغك قد يكون في خطر. وعندما يتعلق الأمر بالوقاية، فإن الاكتشاف المبكر هو كل شيء نحتاجه.
يشير الدكتور بريديزن أيضًا إلى جيل جديد من التحاليل التي تقيس وظائف محددة للدماغ. من أهم هذه المؤشرات هو: (البروتين الحمضي الليفي الدبقي GFAP)، والذي يعكس وجود التهاب في الدماغ. أظهرت دراسة في عام 2023 أن مستويات GFAP يمكن أن تبدأ في الارتفاع قبل ظهور أعراض الزهايمر بحوالي عشر سنوات.
يوصي الدكتور بريديزن بعمل اختبارات إضافية مثل:
- تحديد مستوى GFAP الأساسي عند سن 35 عامًا،
- ثم إعادة الفحص كل خمس سنوات.
- كما يُفضل أيضًا فحص مستويات NfL (سلسلة خيوط أعصاب النوروفيلامين الخفيفة)
- بالإضافة الى فحص p-tau 217
وجميعها الاختبارات أعلاه تعتبر مؤشرات مبكرة أخرى على التنكس العصبي.
وهناك أيضًا اختبارات معرفية مثل:
- اختبار (تقييم مونتريال المعرفي MoCA) الذي أجرته السيدة نينا في الومضة السابقة.
- من الأفضل أن يُجرى هذا الاختبار بواسطة مختص، لكن هناك نسخ مجانية متوفرة عبر الإنترنت.
- خيار جيد آخر هو اختبار الحالة الذهنية لجامعة سانت لويس (SLUMS).
والآن، كلمة سريعة عن التكلفة. ستحتاج إلى دفع تكلفة معظم هذه التحاليل بنفسك، لكن الدكتور بريديزن يشير إلى أنها في الولايات المتحدة في متناول اليد بشكل مدهش – وغالبًا ما تكلف أقل مما ينفقه كثير من الناس سنويًا على القهوة.
السؤال الحقيقي ليس فقط ما إذا كنت ستجري هذه التحاليل أم لا، بل ماذا ستفعل بالنتائج. إذا اكتشفت مؤشرات على التدهور مبكرًا، هل ستكون مستعدًا لإجراء التغييرات التي قد تحمي دماغك لسنوات قادمة؟
الومضة الثالثة – النظام الغذائي
للنظام الغذائي تأثير هائل على الصحة الإدراكية. من المحتمل ألا يفاجئك أن تسمع أنه نعم، يجب أن تتناول المزيد من الخضروات، ونعم، عليك تقليل السكر.
ولكن، إلى جانب هذه التوصيات العامة، هناك نوع محدد من النظام الغذائي يوصي به الدكتور بريديزن لتحسين صحة الدماغ.
استهدف النظام الغذائي التالي:
- نظام نباتي غني ومعتدل الكيتونية.
- يجب أن يكون غنياً بالمغذيات النباتية، والألياف، والدهون الأحادية غير المشبعة، ودهون أوميغا-3، والخضروات الصليبية المساعدة على إزالة السموم.
- تناول الأسماك منخفضة الزئبق،
- مع تجنب التونة وسمك أبو سيف swordfish.
- ويفضل أيضاً تجنب الحبوب، ومنتجات الألبان، والكربوهيدرات البسيطة.
يمكن أن يكون النظام النباتي الصرف vegan أو النباتي الاخر vegetarian مفيداً للصحة طالما أنك تتأكد من حصولك على جميع العناصر الغذائية اللازمة لدعم صحة دماغك. تناول اللحوم المسموح تناولها باعتدال، ولكن يجب أن تكون ذات جودة عالية – مثل الدجاج الذي يتغذى في المراعي أو لحم الأبقار التي تتغذى على العشب.
إذا بدا لك كل ذلك معقداً أو متعباً، إليك إذا مبدأ عليك تذكره. تذكر شعار “تذوق قوس قزح” الخاص بحلوى سكتلز Skittles؟ حاول أن تطبّق ذلك مع الفواكه والخضروات، وليس مع الحلوى. عند تخطيط وجبات يومك، قد يعني ذلك اختيار بصل بنفسجي، أفوكادو أخضر، وتوت أحمر.
ومع ذلك، من المهم عدم المبالغة في تناول الفاكهة، لأنها تحتوي بشكل طبيعي على نسبة عالية من السكر. اختر الفاكهة العضوية ذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض – فكر في التوت، بدلاً من الأناناس. كما أنه من الأفضل تناول الفاكهة كاملة. بدلاً من شرب عصير البرتقال، تناول برتقالة كاملة. بهذه الطريقة، تحصل على الألياف مع تقليل التأثير الجلايسيمي.
قدر الإمكان، اجعل معظم طعامك نباتياً. وركز على تناول الأطعمة الحقيقية والمعروفة – تلك التي كان أجدادك يعتبرونها طعاماً. يجب بالتأكيد تجنب الأطعمة فائقة التصنيع (المعالجة). فقد أظهرت الدراسات وجود علاقة بين الاستهلاك المرتفع للأطعمة المصنعة وبين تراجع القدرة الإدراكية بسرعة أكبر.
كما أن توقيت تناول الطعام له أهمية أيضاً. حاول تجنب الأكل في غضون ثلاث ساعات قبل النوم، لأن تناول الوجبات الخفيفة ليلاً يمكن أن يؤثر سلباً على جودة النوم – والنوم عالي الجودة ضروري لصحة الدماغ.
قد يبدو كل هذا كثيراً، ونعم، فالتغيير قد يكون صعباً. قد يكون من الصعب في البداية التخلي عن بعض أطعمتك المفضلة، أو إيجاد طرق لإدخال المزيد من الخضروات إلى نظامك الغذائي. لذلك، لا تكن قاسياً على نفسك إذا فشلت بين الحين والآخر.
لكن الأمر يستحق المحاولة وبذل الجهد. واصل المحاولة وخذ الأمور خطوة بخطوة. حتى التغييرات الصغيرة في نظامك الغذائي يمكن أن تصنع فرقاً كبيراً. وتذكّر الهدف – أن تبقى بصحة جيدة حتى سن متقدم، لتستمتع بحياتك. هذا وحده قد يكون كافياً ليبقيك متحفزاً.
الومضة الرابعة – التمارين الرياضية والنوم
إليك هذه الإحصائية اللافتة: حوالي ربع السكان يحملون متغيرًا جينيًا مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. ويمكن أن يبدأ هذا العامل الجيني بالتأثير على أداء الذاكرة في سن الثامنة عشرة أو العشرين.
لا يمكنك تغيير جيناتك – لكن يمكنك تغيير نمط حياتك. النظام الغذائي أداة قوية. وأداة أخرى هي التمارين الرياضية، التي تعمل كمضاد قوي للتدهور المعرفي. ما هو مفيد لجسمك، يتبيّن أنه مفيد أيضًا لعقلك. في حين أن أي نوع من التمارين يمكن أن يساعد في تحسين قدراتك الإدراكية، فمن الناحية المثالية، يجب أن تهدف تمارينك الرياضية إلى التنوع.
الهدف المبدئي هو ثلاث ساعات من التمارين الهوائية aerobic exercise في الأسبوع. يمكن أن يكون ذلك مثل الجري أو السباحة أو ركوب الدراجة. بالإضافة إلى ذلك، من المهم ممارسة تدريبات القوة بشكل منتظم، وإدخال تمارين عالية الشدة متقطعة بين الحين والآخر.
ولتحقيق أقصى قدر من الفوائد لدماغك، يوصي الدكتور بريديسن أيضًا بـ “تمارين تقييد تدفق الدم” (blood flow restriction training) و”التمارين مع العلاج بالأكسجين” (exercise with oxygen therapy).
قد تفكر الآن: “ليس لدي وقت لكل ذلك!” لكن الأبحاث تُظهر أننا غالبًا نملك وقت فراغ أكثر مما نعتقد. واستثمار حتى جزء صغير من هذا الوقت في ممارسة الرياضة يعود بفوائد تتجاوز بكثير ما يحدث في صالة الألعاب الرياضية.
لا تنشغل كثيرًا بنوع التمرين “الأفضل”. الأهم هو أن تمارس نشاطًا تستمتع به، حتى تتمكن من الاستمرار فيه، سواء كان ذلك الجري في الحديقة أو رفع الأثقال في الفناء الخلفي لمنزلك.
وكما يُفضل تجنب تناول الطعام في وقت متأخر من الليل، فإن ممارسة الرياضة في وقت مبكر من اليوم تُعد أيضًا خيارًا أكثر ذكاءً. فالتمارين المسائية يمكن أن تعيق النوم، وهذا يقودنا إلى فائدة رئيسية أخرى – النشاط البدني يساعدك على النوم بشكل أفضل. من خلال زيادة استهلاك الطاقة وتنظيم هرمونات النوم، تعزز التمارين الرياضية الراحة العميقة والمجددة للجسم، وهو ما يُسهم بدوره في تقليل التوتر والقلق – وكلاهما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة المعرفية.
يجب أن نستهدف الحصول على القدر المناسب من النوم — ليس كثيرًا ولا قليلاً. ما بين 7 و8.5 ساعات في الليلة يُعد مثاليًا. ومن المثير للدهشة أن النوم لأكثر من 9 ساعات مرتبط أيضًا بزيادة خطر الإصابة بالخرف. لكن الأمر لا يتعلق بالكمية فقط، بل بالجودة أيضًا. وهذا يعني أن تتضمن جلسة النوم حوالي ساعة ونصف من نوم حركة العين السريعة (Rapid Eye Movement)، وما لا يقل عن ساعة واحدة من النوم العميق.
حتى وإن كنت تعتقد أنك تنام بشكل جيد إلى حد ما، من المفيد أن تفكر فيما إذا كان بإمكانك إجراء أي تغييرات لتحسين جودة نومك بشكل عام. على سبيل المثال، تجنب الشاشات قبل النوم أو الالتزام بجدول نوم منتظم.
لا تقلق كثيرًا بشأن هذا الأمر، ولكن انتبه له. فدماغك سيشكرك على ذلك.
الومضة الخامسة – تدريب الدماغ
يمكننا إجراء تغييرات في أي مرحلة من مراحل الحياة – وأدمغتنا يمكنها ذلك أيضًا. يعود الفضل في ذلك إلى المرونة العصبية (neuroplasticity)، وهي القدرة المذهلة للدماغ على إعادة تشكيل نفسه والتكيف مع الظروف المختلفة استجابةً للتجارب الجديدة.
ومن المثالية أن تظل أدمغتنا مرنة طوال حياتنا، بحيث تتكيف باستمرار مع الظروف المختلفة. وإحدى الطرق الفعّالة لدعم ذلك هي من خلال “تدريب الدماغ” – أي التحديات الذهنية التي تشغلنا فكريًا ونفسيًا.
وكما هو الحال مع كل ما ناقشناه حتى الآن، فإن البدء مبكرًا هو الأفضل. لكن تدريب الدماغ يقدم فوائد للجميع، حتى لأولئك الذين يعانون بالفعل من تدهور معرفي.
ومع ذلك، بالنسبة للشخص العادي، يوصي الدكتور بريديسن بما يلي:
- ضع لنفسك تحديًا ذهنيًا صغيرًا كل يوم،
- وتحديًا متوسطًا كل شهر،
- وتحديًا كبيرًا كل عام.
يجب أن تكون هذه التحديات جديدة – أي أنشطة تجبرك على استخدام عقلك بطريقة مختلفة قليلاً. على سبيل المثال:
- يمكن أن يكون التحدي الصغير هو نوع جديد من الألغاز. إذا كنت معتادًا على حل الكلمات المتقاطعة، جرب السودوكو sudoku بدلًا منها. أو اكسر روتينك – اذهب إلى مقهى مختلف يومًا ما، أو انقل عملك الى غرفة أخرى.
- أما بالنسبة للتحدي الشهري المتوسط، فجرب قراءة نوع أدبي مختلف من الأدب، أو جرب الطهي من مطبخ جديد لم تتعود عليه.
- أما التحدي المعرفي الكبير – وهو ما تقوم به سنويًا – فيجب أن يكون شيئًا أكثر طموحًا. قد يكون تعلم لغة جديدة، أو أي نوع آخر من الدراسة طويلة المدى.
من خلال وضع مثل هذه التحديات لنفسك، فإنك تعمل على تحسين قدرة دماغك على إعادة التوجيه والتكيف مع التغيير. وبهذه الطريقة، عندما تواجه تغييرات من نوع آخر في حياتك، سيكون من الأسهل عليك التأقلم.
يلعب التواصل الاجتماعي دورًا أساسيًا في ذلك أيضًا. فالعلاقات الاجتماعية ذات المعنى تتطلب مرونة وتفاعلًا مستمرًا واستجابة عاطفية – وكلها تدعم المرونة العصبية وتساعد في الحفاظ على شباب الدماغ.
وليس الأمر مقتصرًا فقط على الأصدقاء المقربين أو العائلة. فالتفاعل مع الغرباء أيضًا يمكن أن يحفّز الدماغ. مقابلة شخص جديد تجبر دماغك على معالجة معلومات غير مألوفة، مثل: الوجوه، والأصوات، والإشارات التي تساعدك في تحديد ما إذا كان هذا الشخص يستحق التذكر. هذه اللحظات من التجديد الاجتماعي هي في جوهرها تمارين صغيرة للدماغ.
إحدى النظريات لماذا يكون التفاعل الاجتماعي واقياً للإدراك هو أنه يشجع التفكير المرن. في كل محادثة، نواجه تحدياً لتعديل افتراضاتنا، وإعادة التفكير في وجهات نظرنا، والتعامل مع الاختلافات. هذه المرونة العقلية قد تساعد في تفسير لماذا تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص ذوي الآراء المتحيزة بقوة – في أي من طرفي الطيف السياسي – يميلون إلى أن يكونوا أكثر عرضة لمشاكل الذاكرة والتصورات المشوهة للواقع. إنه سبب آخر للبقاء فضولين ومنفتحي الذهن ومتفاعلين مع أولئك الذين يرون العالم بطريقة مختلفة.
في نهاية المطاف، يجب أن يكون تدريب الدماغ عصبيًا ونفسيًا في الوقت نفسه. ومن خلال اتباع نهج شامل، يمكننا بناء دماغ أكثر مرونة وصلابة. ونأمل بذلك أن نظل شبابًا حتى مع تقدمنا في العمر.
خلاصة نهائية
الخلاصة الرئيسية من هذه الومضات لكتاب “العقل الذي لا يشيخ” للدكتور ديل بريديسن هي أن التدهور المعرفي ليس جزءًا حتميًا من الشيخوخة. وبحسب الدكتور بريديسن، يمكن الوقاية منه – وفي بعض الحالات، يمكن حتى عكس مساره.
قد يبدو النسيان وضبابية الدماغ كعلامات طبيعية للتقدم في السن، لكنها قد تكون أيضًا مؤشرات مبكرة على أمر أكثر خطورة، مثل الزهايمر. لهذا السبب، من الضروري اتخاذ خطوات استباقية. ابدأ باختبارات تقييم معرفية بسيطة مثل “تقييم مونتريال المعرفي” أو MoCA، أو تتبَّع المؤشرات الحيوية الرئيسية عبر تحاليل الدم لمراقبة صحة دماغك في وقت مبكر.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب نمط الحياة دورًا مركزيًا. يركز النظام الغذائي الصديق للدماغ على الأطعمة الكاملة – معظمها نباتات ودهون صحية – مع تجنب السكر والمنتجات فائقة المعالجة. كما أن التمارين الرياضية المنتظمة، وخاصة التمارين الهوائية وتمارين القوة، تعزز وظائف الدماغ وتحسن النوم، وهو أمر ضروري أيضًا للصحة المعرفية.
وبنفس القدر من الأهمية، يجب إبقاء الذهن نشطًا. فالتحديات الذهنية اليومية والروابط الاجتماعية ذات المعنى تساعد على إبقاء الدماغ مرنًا وقويًا وقادرًا على التكيف.
الرسالة واضحة: لم يفت الأوان أبدًا – أو لم يحن الوقت بعد – للعناية بدماغك. حتى التغييرات الصغيرة يمكن أن يكون لها أثر تراكمي ايجابي. ابدأ الآن، وامنح نفسك أفضل فرصة للبقاء حاد الذهن، مركزًا، وقويًا عقليًا لسنوات قادمة.
نبذة مختصر عن المؤلف
الدكتور ديل بريديسن (Dr. Dale Bredesen) هو طبيب أمريكي متخصص في الأمراض التنكسية العصبية، مع تركيز خاص على مرض الزهايمر. يشغل حاليًا منصب المدير الأعلى في معهد المحيط الهادئ لعلوم الأعصاب في مدينة لوس أنجلوس، بولاية كاليفورنيا الأمريكية. الدكتور بريديسن مؤلف لعدد من الكتب الرائدة في هذا المجال، من بينها “نهاية مرض الزهايمر” (The End of Alzheimer’s)، و”برنامج نهاية مرض الزهايمر” (The End of Alzheimer’s Program)، و”الناجون الأوائل من مرض الزهايمر” (The First Survivors of Alzheimer).
حصل الدكتور بريديسن على درجة البكالوريوس من معهد كاليفورنيا للتقنية (Caltech)، وشهادة الطب من المركز الطبي لجامعة ديوك (Duke University Medical Center). خلال مسيرته المهنية، شغل منصب رئيس الأطباء المقيمين في قسم طب الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو (UCSF)، وكان زميلًا لما بعد الدكتوراه في المعاهد الوطنية للصحة (NIH). كما تولى مناصب أكاديمية في جامعات في ولاية كاليفورنيا مثل: UCSF، UCLA، وUCSD.
تولى الدكتور بريديسن أيضًا إدارة برنامج الشيخوخة في معهد بيرنهام (Burnham Institute)، وكان أول رئيس ومؤسس لمعهد باك لأبحاث الشيخوخة (Buck Institute). عُرف بابتكاره نهجًا علاجيًا جديدًا يهدف للوقاية من التدهور المعرفي وعكس مسار مرض الزهايمر، وقد ألّف كتابًا متخصصًا في هذا النهج حمل عنوان “نهاية مرض الزهايمر: أول برنامج للوقاية من التدهور المعرفي وعكس مساره”.