
ومضات معرفية من كتاب ” الكتاب الذي تمنيت لو قرأه والداك (وسيفرح به أطفالك لو قرأته)”
ترجمة وبتصرف: عبدالله سلمان العوامي
تاريخ نشر الترجمة: ١٨ مايو ٢٠٢٥م
تاريخ اصدار الكتاب بغلاف مقوى: ٤ فبراير ٢٠٢٠م
مؤلف الكتاب: السيدة فيليبا بيري Philippa Perry، نبذة مختصرة عن سيرتها الذاتية تجدها في الصفحة الأخيرة.
المصدر: منصة الوميض التجارية Blinkist لتلخيص الكتب.
اسم الكتاب باللغة العربية والإنجليزية:
الكتاب الذي تمنيت لو قرأه والداك، وسيفرح به أطفالك لو قرأته
The Book You Wish Your Parents Had Read, and Your Children Will Be Glad That You Did
تنصل:
هذه الترجمة لا تعكس بالضرورة تأييدًا أو رفضًا للمحتوى الأصلي، وإنما الهدف منها هو نشر المعرفة وعرض وجهات نظر متنوعة. قد تحتوي المادة المترجمة على معلومات لا تتوافق بالضرورة مع بعض المعتقدات أو التوجهات الشخصية، إلا أنها محاولة جادة لنقل الفكرة الأساسية مع الحفاظ قدر الإمكان على السياق العام، وإن لم تكن الترجمة دقيقة تمامًا.
نسعى من خلال هذه الترجمات إلى توسيع آفاق التفكير وتعزيز التواصل الثقافي والفكري، عن طريق تقديم أبحاث ورؤى في مجالات متعددة مثل الصحة، والتقنية، والاقتصاد وغيرها، مما يُتيح للقارئ العربي الاطلاع على مختلف وجهات النظر بلغته الأم، وتعزيز التفاهم بين الثقافات الى جانب تشجيع النقاش الموضوعي للاستفادة منها أو نقدها بشكل واعٍ وبنّاء.
تعريف مختصر بالكتاب من شركة أمازون Amazon:
تم بيع أكثر من 1.3 مليون نسخة حول العالم!
السيد ريتشارد عثمان Richard Osman يقول: انه “كتاب رائع”
ومجلة مجلة فوغ (لندن) Vogue (London) تقول: “إذا لم تكن من محبي كتب التنمية الذاتية (مثلي)، فاجعل هذا الكتاب استثناءً. وإذا لم تكن أبًا أو أمًا، فلا تتجاهله. رسالته تتمثل في اللطف غير القضائي.”
كيف يمكننا أن نحظى بعلاقات أفضل؟
في هذا الكتاب الذي تصدّر قائمة أكثر الكتب مبيعًا في صحيفة “صنداي تايمز Sunday Times”، تكشف المعالجة النفسية البارزة السيدة فيليبا بيري Philippa Perry عن أهم ما يجب فعله وما ينبغي تجنبه في العلاقات. هذا الكتاب لنا جميعا. سواء كنت مهتمًا بفهم كيف شكّلتك نشأتك وتربيتك، أو ترغب في التعامل مع مشاعر طفلك، أو تتمنى دعم شريك حياتك، فستجد في صفحات هذا الكتاب معلومات لا غنى عنها ونصائح واقعية. تُعد نصائح مؤلفة الكتاب السيدة فيليبا بيري الرصينة والحكيمة والخالية من الأحكام مرجعًا أساسيًا لمن يرغب في بناء أفضل علاقات ممكنة مع الأشخاص الأهم في حياته.
المحتوى التالي هو ترجمة للنص الإنجليزي في منصة الوميض Blinkist. وهو مكون من مقدمة وخلاصة نهائية بالإضافة الى ٦ ومضات معرفية. وتعتبر كل ومضة تلخيصا لفصل كامل من الكتاب:
مقدمة – نصائح أبوية سليمة تستند إلى علم النفس.
حتى لو لم يسبق لك تربية طفل، فكلنا لدينا تجربة مع عملية التربية. كطفل، قد تتذكر موقفًا تم فيه تجاهل رأيك أو التقليل منه من قبل البالغين، مما تركك تشعر بالألم والوحدة. وكوالد، قد تتذكر الحادثة نفسها على أنها تافهة أو لحظة كان فيها طفلك متطلبًا أو مزعجًا أو محبطًا بشكل خاص.
لا يوجد هنا رأي باطل أو خاطئ؛ فكل منهما يأتي من منظور مختلف. هذا الاختلاف في وجهات النظر هو أحد المحاور التي تتناولها السيدة فيليبا بيري في هذا الكتاب. وبدلًا من التركيز على تقنيات التأديب أو حيل الأبوة والأمومة، تقدم بيري رؤية جديدة ومنعشة لهذه الممارسة العريقة، مستندة إلى النمو النفسي والعاطفي للأطفال. لكن انتبه أيها الوالد! إذا كنت تريد أن تستفيد من هذا المنظور الجديد، فعليك أن تستعد للتخلي عن افتراضاتك القديمة، والنظر بتمعن وجدية في أفعالك وعواقبها.
الومضة الأولى – ردود أفعالنا كآباء مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بطفولتنا.
أن تكون والدًا هو أمر مرهق، وقد يجعلنا نشعر بعدم الكفاءة وقلة الخبرة، وكأننا تولّينا وظيفة مرموقة لا نملك لها المؤهلات الكافية. لكن هذا ليس صحيحًا.
جميع الآباء الجدد يمتلكون ثروة من الخبرة الشخصية في التربية، ليس من منظور الأب أو الأم، بل من منظور الطفل. فقد كنا جميعًا أطفالًا في يوم من الأيام، ولكي نفهم الحاضر، علينا أن نفهم الماضي. وبعبارة أخرى، لكي فهم أنماط سلوك أطفالنا، نحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة على أكبر مؤثر في حياتهم — ألا وهو نحن أنفسنا. نحن أول وأقوى قدوة لهم، لذلك علينا أن نفهم أنفسنا أولًا قبل أن نحاول فهمهم. وإذا كان هناك أمر واحد يؤثر سلبًا على علاقتنا بأطفالنا أكثر من أي شيء آخر، فهو تجاربنا الشخصية عندما كنا أطفالًا. فالروابط التي كوّناها في تلك الفترة تُحدث تأثيرًا كبيرًا في ردود أفعالنا العاطفية وأسلوبنا في التربية.
مثال رائع على ذلك يأتي من السيد أوسكار Oscar، أحد عملاء المؤلفة. كان يشعر بالغضب يتصاعد داخله كلما ترك ابنه البالغ من العمر 18 شهرًا طعامه دون أن يأكله أو أسقطه على الأرض. وبعد أن قام ببعض الاستكشاف لطفولته بمساعدة المؤلفة، اكتشف السبب. نفس هذا السلوك كان سيؤدي به إلى ضربة حادة على مفاصل أصابعه وطرده من الغرفة من قبل والديه. لقد كان السيد أوسكار يسمح لتجاربه في الطفولة بأن تؤثر على أسلوبه في التربية. ولحسن الحظ، هناك طريقة لإعادة برمجة هذه الأنماط من ردود الفعل السلبية في داخلنا.
ولكي نصل إلى هذه النقطة، سنحتاج إلى تفكيك طفولتنا الخاصة وفحص الأحداث الإيجابية والسلبية التي لا تزال عالقة في ذاكرتنا. فكّر في ردود أفعالك العاطفية. كيف شعرت تجاه الطريقة التي تم التعامل بها معك آنذاك؟ وكيف تشعر حيالها الآن؟ إن امتلاك فهم عميق لهذه التجارب الطفولية ونتائجها العاطفية هو أحد أكثر الأدوات فعالية لتحقيق تربية رحيمة ومتعاطفة.
عند تربية الأطفال، ينبغي أيضًا أن تستخدم ظهور المشاعر السلبية المشحونة بداخلك كإشارة تحذيرية. كثيرًا ما يتفاعل الآباء بالغضب أو الإحباط تجاه مواقف معينة لأن الدماغ يحاول – على مستوى لا واعٍ – أن يحمينا من مشاعر الاشتياق أو الغيرة أو الإذلال التي عشناها في طفولتنا. ومن خلال استخدام الغضب أو الإحباط كإشارات تدعونا إلى فحص تجاربنا الطفولية، يمكننا البدء في التخلص من ردود الأفعال السلبية المبالغ فيها، واستبدالها بالتعاطف مع أطفالنا. وفي النهاية، يمكننا أن نطور من أنفسنا وننمو لنصبح الوالدين المتفهمين الذين نطمح لأن نكونهم.
الومضة الثانية – يحتاج طفلك إلى بيئة مثالية لكي يزدهر.
فكر في شجرة. إذا كنت ترغب في نموها، فعليك أن توفر لها مساحة مفتوحة وتربة خصبة والماء وضوء الشمس. وإذا كانت التربة تفتقر إلى العناصر الغذائية أو لم تحصل على ما يكفي من الماء والضوء، فإن شجرتك ستنمو على أي حال، ولكن ليس إلى أقصى ارتفاع يمكن أن تبلغه.
وينطبق الأمر ذاته على الأطفال. فإذا لم تتوفر لهم بيئة مثالية، فإن نموهم سيتعطل. والخبر السار هو أن البيئة المثالية لا ترتبط ببنية أسرية معينة. وهذا يعني أن الأمر لا يهم كثيرًا ما إذا كان الطفل يُربى في أسرة نووية أو من قبل والدين منفصلين. في الواقع، أكثر من 25% من الأطفال في المملكة المتحدة يُربَّون في أسر يعولها أحد الوالدين فقط. والأهم أن الأبحاث تُظهر أن لذلك تأثيرًا ضئيلًا على النمو العاطفي أو الأداء المدرسي للطفل بمجرد أخذ عوامل مثل الوضع المالي للأسرة وتعليم الوالدين بعين الاعتبار.
فإذا لم تكن بنية الأسرة هي التي تحدد البيئة المثالية، فما الذي يحددها إذًا؟ حسنًا، البيئة المثالية هي مفهوم أكثر مرونة مما قد يبدو. فهي ببساطة تشير إلى جودة العلاقات التي يعيش الطفل وينشأ في ظلها. وأهم هذه العلاقات هي تلك التي تجمع الطفل بالأشخاص الذين يشاركونه المنزل، إلى جانب دائرة صغيرة من العلاقات الوثيقة المحيطة بكل والد. يمكن أن تشمل هذه الدائرة الأجداد، والأشقاء، وأبناء العم، والأصدقاء المقربين. تأكد أولًا من أن هذه العلاقات قوية، وحميمة، ومجزية.
فهي تؤثر على شعور الطفل تجاه نفسه وطريقة تفاعله مع الآخرين، وبالتالي فهي ضرورية لصحة الطفل النفسية والعاطفية. ولهذا السبب، من المهم جدًا للوالدين المنفصلين أن يحافظوا على علاقة حضارية بينهما، مهما كان ذلك صعبًا. تحدث عن الطرف الآخر بطريقة إيجابية وركّز على الجوانب الجيدة فيه، ليس من أجله هو، بل من أجل طفلك. فالأطفال يشعرون بأن هويتهم مرتبطة بكلا الوالدين. فإذا قللت من شأن شريكك في التربية، فأنت تقلل من شأن جزء من طفلك بشكل غير مباشر. وبالطبع، من الضروري في أي وضع معيشي أن تُعالَج الخلافات بطريقة صحية.
أكثر من مجرد التأثير السلبي على الأجواء العامة، فإن الجدالات غير الصحية يمكن أن تجعل الأطفال يشعرون بالقلق أو حتى بالاكتئاب إذا ظنوا أنهم السبب في هذا الخلاف. وهذا يعني أن من المهم تجنب المشاجرات السامة التي يكون الهدف منها هو الانتصار. وبدلًا من ذلك، ادخل في كل نقاش بنيّة حل النزاع، حتى لو استمر الخلاف في نهاية الأمر. وتبدأ الجدالات الصحية بالتعبير عن مشاعرك لشريكك، والاعتراف بمشاعره، والعمل على معالجة قضية واحدة في كل مرة.
الومضة الثالثة – إدراك مشاعر طفلك وقبولها أكثر صحة وإنتاجية من محاربتها.
الأطفال محبطون. فهم كائنات عاطفية للغاية، ويرجع ذلك في الغالب إلى أنهم لم يطوروا بعد القدرة على التفكير المنطقي.
يحتاجون إلى بناء هذه القدرة وتقويتها مع مرور الوقت. فعندما يدخل أطفالنا في نوبات هيستيرية بسبب أمر نعلم نحن الكبار أنه تافه، مثل عدم الحصول على الآيس كريم بعد العشاء، فإن أول ردة فعل لدينا تكون في الغالب هي الجدال معهم أو كبت مشاعرهم. لكن هذا هو النهج الخاطئ. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن هناك رغبة عالمية لدى البشر في أن تُفهَم مشاعرهم ويُعترَف بها. وإذا أنكرنا مشاعر الطفل، حتى تلك التي تبدو لنا سخيفة، فإنها لا تختفي. بل يتعلم الأطفال فقط كبتها، وهذا نمط ضار للغاية.
تخيّل أن طفلتك ذات العشر سنوات تصرخ غاضبة لأنها لا تريد زيارة جدتها بسبب حساء الخضار المقزز الذي تعدّه دائمًا. قد تكون ردة فعلك الأولى هي أن تقول: “سنذهب إلى بيت الجدة لتناول العشاء، ويجب أن تكوني ممتنة، وانتهى الموضوع.” لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تعليم الطفل أن مشاعرها المقززة غير صالحة أو غير مقبولة. ماذا لو، في الأسبوع التالي، قام معلم البيانو بلمسها بطريقة غير لائقة جعلتها تشعر بنفس الشعور المقزز؟ في عقلك البالغ، هناك فجوة هائلة في الأهمية بين هذين الحدثين، لكن عقل الطفل يعمل بطريقة مختلفة. بالنسبة لها، كلا الشعورين مقزز ببساطة، وقد تتعلم كبت الحدث الثاني خوفًا من أن يتم تجاهلها أو عدم تصديقها.
ولحسن الحظ، هناك طريقة أكثر صحة للتعامل مع مشاعر أطفالنا. بدلًا من محاربتها أو إنكار أهميتها، ينبغي علينا أن نُقرّ بهذه المشاعر ونُعززها باستمرار. هذا لا يعني أن نكون متساهلين ونخضع لكل رغبة مثل الحصول على الآيس كريم. بل يعني أن نُشعر أطفالنا بأننا ندرك مشاعرهم ونحترمها. يمكن أن يكون هذا ببساطة من خلال إقرار مثل: “أنت منزعجة لأنك حقًا ترغبين في الآيس كريم، أليس كذلك؟” خذ على سبيل المثال السيد ديف Dave وابنته نوفا Nova البالغة من العمر أربع سنوات.
طلب السيد ديف المساعدة بسبب ميل ابنته نوفا بأن تكون غير مرنة تمامًا، وتغضب عندما تخرج الأمور عن روتينها المعتاد. فعلى سبيل المثال، عندما لا تتمكن من الجلوس في مقعدها المفضل في السيارة، كانت تدخل في نوبة غضب، بينما كان والدها السيد ديف يحاول إقناعها بالكلام لتجلس في مقعد آخر. في أحد الأيام، جلس ابن عمها في مقعدها. بدأت بالبكاء فورًا، لكن أبوها السيد ديف نزل إلى مستواها، نظر في عينيها وقال: “من الصعب عليكِ رؤية ابن عمك ماكس يجلس في مقعدك، أليس كذلك؟ أنتِ حقًا ترغبين في الجلوس هناك، أليس كذلك؟”
هدأت الطفلة نوفا من بكائها، ووعدها والدها السيد ديف بأنها ستجلس فيه في المرة القادمة. وفورًا، وجدت نوفا مقعدًا جديدًا، ربطت حزام الأمان، وبدأت تتحدث مع أبناء عمومتها. وتم بعد ذلك تفادي الأزمة.
الومضة الرابعة – يحتاج الأطفال الرضّع إلى فرصة لتكوين ارتباط عميق وآمن.
الرضّع حديثو الولادة يمرّون بمرحلة نمائية تُعد من أصعب المراحل في التربية. هؤلاء الصغار بلا حول ولا قوة ويعتمدون علينا كليًا في كل شيء: الدعم، والمأوى، والغذاء.
وما يزيد تعقيد هذا الوضع هو أنهم غير قادرين على التواصل معنا للتعبير عما يحتاجونه. وبسبب هذا الاعتماد الشديد، فإن الأطفال الرضّع مبرمجون بيولوجيًا لتكوين روابط تعلق مع الآخرين. ذلك لأن الرضيع يُلقى به في عالم مخيف ومربك، حيث كل تجربة يعيشها تعتبر جديدة ومليئة بالأشياء الغريبة. لذا، فهو يشكّل ارتباطًا عميقًا بالثوابت الوحيدة في هذا العالم الغريب، وهم الأشخاص الذين يلبّون احتياجاته. ولكي نمنح أطفالنا بدايةً مريحة وآمنة في الحياة، نحتاج إلى بناء نمط وتطوير أسلوب ارتباط آمن معهم. وكل ما يعنيه هذا هو أن نلبي احتياجات الطفل العاطفية والمادية باستمرار.
على سبيل المثال، عدم تركهم يبكون لفترة طويلة طلبًا للطعام أو القرب الجسدي. إذا تمكّنا من تحقيق ذلك بانتظام، فمن المرجح أن يكبر الأطفال وهم متفائلون واجتماعيون ويثقون بالآخرين. وإذا قمنا بذلك بالشكل الصحيح، فسيبدأ الأطفال بعد عدة أشهر في التعلّق الشديد، بحيث لا يرغبون إلا في مقدم الرعاية الأساسي لهم، ولا يرضون بأن يعتني بهم أحد سواه. قد يبدو هذا أمرًا غير مرغوب فيه أو دليلًا على أننا دلّلنا الطفل بشكل مفرط، لكنه في الحقيقة هو أمر جيد. فهذا يعني أن الطفل قد شكّل ارتباطًا آمنًا بنا، يثق بنا ويشعر بالراحة معنا. وقد تكون هذه المرحلة مرهقة بشكل خاص لمقدم الرعاية الأساسي، لكنها تمر سريعًا عندما يطوّر الطفل ما يُعرف بثبات الكائن (بقاء الشيء Object permanence).
مفهوم ثبات الكائن (بقاء الشيء) هو القدرة على معرفة أن شيئًا ما لا يزال موجودًا حتى عندما لا نراه. قد يبدو هذا بسيطًا بالنسبة لنا نحن البالغين بذاكرتنا المتطورة وقدرتنا على التفكير المنطقي، لكنه ليس كذلك بالنسبة للأطفال الرضّع. فبالنسبة لهم، ينحصر العالم كله في مجال رؤيتهم، وعندما يختفي شيء من أمامهم، يعتبرونه غير موجود. ولكن بمجرد أن يطوّر الطفل مفهوم ثبات الكائن (بقاء الشيء)، تصبح العناية به أسهل بكثير.
يعلم الطفل حينها أنه إذا كنت في غرفة أخرى، فستعود إليه. ولسوء الحظ، فإن الدعم العاطفي لا ينتهي عندما يتحول أطفالنا إلى مرحلة الطفولة المبكرة. في الومضة التالية، سنكتشف كيف يمكننا الاستمرار في منح أطفالنا أفضل الفرص ليكونوا أصحاء عقليًا وعاطفيًا.
الومضة الخامسة – هناك بعض الإجراءات التي يمكننا اتخاذها لضمان أن ينمو طفلنا بصحة نفسية سليمة.
إن حقيقة أن العالم بدأ أخيرًا في الاستيقاظ لأهمية الصحة النفسية أمر رائع، حتى لو اضطررنا إلى الوصول إلى نقطة الانهيار للقيام بذلك. فالصحة النفسية للطفل أكثر أهمية حتى من صحة البالغين لأنه أكثر تأثرًا وأقل قدرة على الصمود.
وعلاوة على ذلك، فإنها تمهّد لحالته النفسية في المستقبل. ولحسن الحظ، هناك بعض الأمور التي يمكننا القيام بها من أجل أطفالنا لمنحهم أفضل فرصة لعيش حياة سليمة نفسيًا. أولًا، نحتاج إلى الاستفادة من قوة الملاحظة المتفاعلة (the power of engaged observation). فعند الحديث مع شخص ما، نظن أحيانًا أننا نستمع، بينما نحن في الحقيقة ننتظر فرصة للكلام. وغالبًا ما نكون منشغلين بتكوين الرد في أذهاننا. أما الملاحظة المتفاعلة فتعني أن نحاول حقًا فهم أو استشعار ما يحاول الطرف الآخر إيصاله.
إن القيام بذلك مع أطفالنا يساعدنا على بناء رابطة عميقة ومليئة بالمحبة معهم، وهي ممارسة يمكننا الاستمرار بها معًا حتى في مرحلة البلوغ. بعد ذلك، يجب أن نكون حذرين بشأن استخدام هواتفنا حول الأطفال. فإدمان الهواتف أمر حقيقي وخطير في العالم الحديث، وإذا كنا ملتصقين بهواتفنا الذكية، فقد يؤثر ذلك سلبًا على رفاهية أطفالنا. لا يقتصر الأمر على أنه يقلل من وقت التواصل القيم معهم، بل قد يزرع في نفوسهم شعورًا بالاغتراب. وفي وقت لاحق، هناك خطر بأن يصبحوا هم أنفسهم مدمنين على الهاتف. في الواقع، وبدلًا من التحديق المستمر في هواتفنا، يجب أن نمنح أطفالنا كل الاهتمام الذي يحتاجونه.
فعندما يشعر الأطفال بأنهم لا يُرون أو يُسمعون، فإنهم يتصرفون بطرق ملفتة للانتباه، يفسرها البالغون في كثير من الأحيان على أنها مزعجة. ولكن إذا استثمرنا الوقت في الاستجابة الحساسة لمشاعرهم منذ البداية، يمكننا خلق بيئة لا يشعر فيها الأطفال بالحاجة إلى رمي قطع الليغو Lego في كل مكان من أجل الحصول على رد فعل. وأخيرًا، لا يجب أبدًا أن نقلل من شأن أو نعيق قوة اللعب. فعندما يلعب الأطفال، فإنهم في الحقيقة يعملون.
ما يبدو أمرًا بسيطًا بالنسبة لنا، كأن تقيم طفلة حفلة شاي لدمياتها، هو في الواقع عملية معقدة تستخدم فيها الطفلة خيالها لبناء قصة. كلما أمكن، شجّع هذا النوع من اللعب من خلال إظهار اهتمام متحمس بهذه الأنشطة. فهذا النوع من الاستكشاف الذهني سيغذي فضولها تجاه العالم من حولها ويساعدها على التفاعل مع البيئة الأوسع.
الومضة السادسة – تصوير الصراع بين الوالدين والطفل على أنه معركة إرادات هو معركة خاسرة.
كم منا تربّى على يد والدين كانوا يرون سلوك الطفل على أنه صراع إرادات؟ كل نوبة غضب أو رغبة أو خلاف كان يُقرأ بطريقة تصادمية، تضع إرادة الطفل في مواجهة إرادة مقدّمي الرعاية.
لكن هناك طريقة أفضل للنظر إلى هذه المواقف. عندما كانت ابنة المؤلفة، الطفلة فلو Flo، تبلغ من العمر ثلاث سنوات، قررت أنها تريد الذهاب إلى المتاجر سيرًا على الأقدام مع والدتها بدلًا من الركوب في عربتها. وفي طريق العودة إلى المنزل، توقفت الطفلة فلو وجلست على عتبة باب. كان رد فعل المؤلفة الأول هو الإحباط، إذ كانت ترغب في العودة إلى المنزل. لكنها أدركت أنه لا يهم متى سيصلن إلى المنزل، وبعد أن أنهت الطفلة فلو مراقبة النمل وهو يزحف على الرصيف، واصلتا الطريق من جديد. وعند التفكير في الموقف لاحقًا، أدركت المؤلفة أن هناك عوامل خفية أخرى تلعب دورًا في التأثير على سلوك الطفلة فلو.
لم تكن الطفلة فلو معتادة على المشي لمسافات طويلة وكانت بحاجة إلى استراحة. وربما كانت أيضًا تشعر بالإرهاق من المشاهد والأصوات في الشارع المزدحم. لا فائدة من تصوير مواقف مثل استراحة الطفلة فلو على عتبة الباب على أنها مسألة فوز أو خسارة. ولكن ماذا عن تشجيع المهارات الاجتماعية والسلوك الحسن؟ اتضح أن الجميع يحتاجون إلى أربع مهارات للتصرف بشكل جيد. ويجب أن نركز على تبني هذه المهارات بأنفسنا بدلًا من فرضها على أطفالنا. فنحن نمثل لهم القدوة الأهم، وسينعكس سلوكنا عليهم. واليك هذه المهارات باختصار:
- تحمّل الإحباط. المؤلفة استطاعت أن تتحمل إحباطها من تباطؤ طفلتها فلو، ومكّنها ذلك من التعامل مع الموقف برقي.
- المرونة، أي القدرة على التكيّف الجيد مع تغيّرات الظروف وعدم السماح لرغباتنا الخاصة بأن تعمي حكمنا. المؤلفة تمكنت من إظهار مرونة في ذلك الموقف، إذ استجابت لطفلتها فلو وأجّلت رغبتها في العودة إلى المنزل مبكرًا.
- تنمية وتطوير قدراتنا على حل المشكلات. وهذا يعني إيجاد طرق للتعامل مع الخلافات المحتملة قبل أن تتطور إلى أزمات كاملة. وأحيانًا، قد يكون حل المشكلة ببساطة في عدم خلقها من الأساس، مثل السماح للطفلة فلو بالراحة وتجنّب صراع لا داعي له.
- التعاطف هو المهارة الأخيرة اللازمة للتفاعلات الاجتماعية الصحية. القدرة على رؤية الأمور من منظور الآخرين والشعور بها تُعد من أقوى القدرات الإدراكية لجنسنا البشري.
من خلال رؤية الموقف من وجهة نظر الطفلة فلو، تمكنت المؤلفة من الحد من إحباطها واتخاذ قرار مدروس. إذا استطعنا تنمية هذه المهارات في أنفسنا وأن نكون قدوة لأطفالنا، فإننا بذلك نمنحهم أفضل فرصة للنمو ليصبحوا بالغين أصحاء ومتزنين، وهو أمر سيشكروننا عليه في الوقت المناسب.
خلاصة نهائية
الفكرة الأساسية التي تطرحها هذه الومضات هي أن عملية التربية تُفهم كثيرًا على أنها صراع بين قوتين متعارضتين، بينما هي في جوهرها علاقة يجب تغذيتها ورعايتها. وغالبًا ما يعود السبب في هذا الفهم الخاطئ إلى طفولة الوالد أو الوالدة. علينا أن نفحص ماضينا بعناية، منتبهين إلى المشاعر الدالة على التوتر أو الإحباط، حتى نتجنب تكرار الأخطاء نفسها.
ولكن، وبالدرجة الأولى، لا يمكن للوالدين التحكم إلا في قراراتهم وتصرفاتهم، لذا ينبغي علينا أن نركّز اهتمامنا على تعديل سلوكنا بدلًا من محاولة تغيير سلوك أطفالنا. وإليكم نصيحة مفيدة أخرى: انتبهوا إلى أنماط سلوككم التي تنكر الانتباه لأطفالكم. فعندما يُظهر أطفالنا سلوكًا لجذب الانتباه، يكون رد فعلنا الأول غالبًا هو تجاهلهم. قد نكون غير قادرين أو حتى غير راغبين في التعاطف معهم لأن سلوكهم يزعجنا. فنقوم بتبرير هذا التجاهل بأن لدينا أشياء أهم يجب إنجازها، مثل الأعمال المنزلية أو المعاملات الورقية.
لكن تجاهل طفلك قد يؤدي غالبًا إلى تفاقم حاجته إلى الانتباه والاهتمام. لذا، في المرة القادمة التي يحاول فيها لفت انتباهك، حاول أن تلاحظ ما إذا كنت تدفعه بعيدًا لا شعوريًا بسبب سلوكه المزعج من خلال إهماله تمامًا. تجاوز هذه الغريزة، وبدلًا من ذلك، أشركه في أي شيء تقوم به.
نبذة مختصرة عن المؤلفة
السيدة فيليبا بيري (Philippa Perry) معالجة نفسية وكاتبة بريطانية معروفة، اشتهرت بكتابها “الكتاب الذي كنت تتمنى لو قرأه والداك (وسيفرح به أطفالك لو قرأته)” الصادر عام ٢٠٢٠. بدأت مسيرتها المهنية بالتطوع مع منظمة “ساماريتون” Samaritans، ثم التحقت بتدريب مهني كمعالجة نفسية وعملت لسنوات في مجال الصحة النفسية.
ألفت أيضًا كتاب في عام ٢٠١٠ بعنوان: “Couch Fiction: A Graphic Tale of Psychotherapy”، وهو رواية مصورة تكشف بأسلوب بسيط ودقيق كواليس العلاج النفسي. أما كتابها الاخر والذي صدر في عام ٢٠١٢ وهو بعنوان كيف تبقى عاقلًا How to Stay Sane فقد صدر ضمن سلسلة مدرسة الحياة الشهيرة.
إلى جانب عملها العلاجي، قدمت السيدة فيليبا عدة أفلام وثائقية إذاعية وتلفزيونية عبر قنوات بي بي سي البريطانية والقناة الرابعة BBCوChannel 4، تناولت فيها موضوعات مثل الصحة النفسية، والكذب عند الأطفال، والتجارب العاطفية، والاستشارات الأسرية، وكتّاب النصائح. كما ساهمت في العديد من البرامج الإذاعية والصحفية، وكتبت سلسلة كرتونية استشارية على موقع صحيفة الغارديان البريطانية.
تعيش السيدة فيليبا في مدينة لندن البريطانية مع زوجها الفنان الشهير غرايسون بيري، ولها ابنة تدعى فلو بيري، وهي كاتبة ورسامة كتب مصورة.