التماثل البشري للذكاء الاصطناعي وقضية السيطرة والتحكم
مراجعة كتاب: التماثل البشري للذكاء الاصطناعي وقضية السيطرة والتحكم
ترجمة وبتصرف: عبد الله سلمان العوامي
بقلم السيد: إيان سامبل
المصدر: موقع صحيفة الغارديان البريطانية، حسب الرابط أدناه
تاريخ النشر: ٢٤ أكتوبر ٢٠١٩م
قد يكون أكبر وآخر حدث في تاريخ البشرية أن تتم صناعة آلات أذكى من البشر.
خذ سؤالا عادة ما يطرحه العلماء كثيرًا: ماذا لو نجحنا؟ والسؤال نفسه يقول أيضا: كيف سيتغير العالم إذا حققنا ما نسعى إليه؟ يمكن للباحثين، المختبئين في المكاتب والمنعزلين في المختبرات، تطوير رؤية النفق المظلم، والأكثر وردية في آفاق المستقبل لإبداعاتهم. وتصبح النتائج الغير مقصودة وسوء الاستخدام الرديء أفكارًا أخرى تالية – وهي من الفوضى التي يمكن للمجتمع تنظيفها لاحقًا.
واليوم انتشرت هذه الفوضى على نطاق واسع: الاحتباس الحراري، وتلوث الهواء، والبلاستيك في المحيطات، والنفايات النووية، وأطفال الحمض النووي المعدل بشكل سيئ. جميعها نتاج تقنيات متقدمة ساعدت في إيجاد حلول للمشكلات القديمة ولكنها أنشأت مشكلات جديدة. في السبق العلمي الذي لا مفر منه من أجل أن تكون أول من اخترع، يتم تجاهل الجوانب السلبية أو تلك التي الجوانب لم تستكشف بعد أو التركيز على الجوانب التي تلمع أكثر.
في عام ١٩٩٥م، كتب السيد ستيوارت روسل Stuart Russell كتابا عن الذكاء الاصطناعي. شارك في تأليفه مع السيد بيتر نورفيج Peter Norvig ، باسم الذكاء الاصطناعي: منهج حديث وأصبح أحد أكثر النصوص التعليمية شيوعًا في العالم Artificial Intelligence: A Modern Approach became one of the most popular course texts in the world . في الصفحات الأخيرة من الفصل الأخير، طرح المؤلفان السؤال التالي: ماذا لو نجحنا؟ كانت إجابتهما بالكاد بمثابة تأييد بسيط، وقالو وقتها: “يبدو أن الاتجاهات ليست سلبية للغاية،”. ولكن بعد ذلك حدث الكثير وخاصة منذ بداية نشأة شركة جوجل Google وشركة فيسبوك Facebook.
في كتابه الجديد حول التماثل البشري للذكاء الاصطناعي، يعود السيد روسل Russell إلى السؤال نفسه وهذه المرة يعلن وبدون تراجع. ونتيجة لذلك، هي بالتأكيد أهم كتاب عن الذكاء الاصطناعي هذا العام. ربما، كما ورد في قصيدة ريتشارد براوتيجان Richard Brautigan، فإن من خيرات الحياة عندما تتم مراقبتنا جميعنا بواسطة آلات المحبة الجميلة. لكن السيد رورسل، أحد أستاذة جامعة كاليفورنيا – بيركلي، يرى ان هذه الاحتمالات أكثر قتامة. حيث حدر بان إنشاء آلات تتجاوز ذكائنا سيكون أكبر حدث في تاريخ البشرية، وقد يكون أيضا آخر حدث فيها. وهنا، يُبرز السيد روسل قضية مقنعة في الطريقة التي نختار بها كيفية التحكم في الذكاء الاصطناعي والتي: “ربما تكون هي أهم مسألة تواجه البشرية”.
السيد روسل اختار لحظة توقيته جيدًا. يقوم الآن عشرات الآلاف من ألمع العقول في العالم ببناء تقنيات الذكاء الاصطناعي. يعمل معظمهم على تقنية معينة ومحددة – أو ما يسمى بالذكاء الاصطناعي “الضيق” الذي يعالج مثلا الكلام، أو يترجم اللغات، أو يكتشف الناس في وسط الحشود، أو يشخص الأمراض، أو يهزم الاشخاص في الألعاب الاليكترونية. ولكن هذه بعيدة كل البعد عن الهدف النهائي لهذا المجال: وهو الذكاء الاصطناعي المتعدد الأغراض والذي يتطابق أو يتفوق على القدرة العقلية لعقول البشر على نطاق واسع.
انها ليست طموحا سخيفا. منذ البداية، انطلقت شركة ديب مايند DeepMind، مجموعة الذكاء الاصطناعي المملوكة لشركة الفا بيت Alphabet، وهي الشركة الأم لـشركة جوجل Google، من أجل “معرفة حلول الذكاء” ثم استخدام ذلك لحل كل شيء آخر. في يوليو من هذا العام، وقعت شركة مايكروسوفت Microsoft عقدًا بقيمة مليار دولار مع شركة اوبن أ آي OpenAI، وهي مجموعة أمريكية، لتطوير وبناء الذكاء الاصطناعي الذي يحاكي الدماغ البشري. إنه سباق محفوف بالمخاطر الكبيرة. كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: من سيصبح زعيمًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي “سيصبح سيد العالم”.
لا يدعي السيد روسل أننا وصلنا الى تلك المرحلة بعد. في أحد فصول الكتاب، يعرض السيد روسل المشكلات الهائلة التي يواجهها مهندسو الكمبيوتر في إنشاء الذكاء الاصطناعي المماثل للإنسان. يجب أن تعرف الآلات كيفية تحويل الكلمات إلى معرفة متماسكة وموثوقة؛ يجب أن تتعلم الآلات كيف لها أن تكتشف إجراءات جديدة ومن ثم ترتيبها بشكل مناسب: (غلي القدر، احضار الفنجان، وقذف كيس الشاي). وبنفس طريقتنا، يجب على الآلات إدارة مواردهم المعرفية حتى يتمكنوا من الوصول إلى قرارات جيدة وبسرعة. هذه ليست العقبات الوحيدة، ولكنها تعطي نكهة أولية للمشاكل المقبلة. السيد روسل يشكك في ان هذه العقبات ستشغل الباحثين لمدة ٨٠ عامًا أخرى كما يدعي البعض، لكنه يؤكد أيضا أن التوقيت غير محسوم بعد، ومن المستحيل التنبؤ به.
حتى مع معرفتنا بإن نهاية العالم تخيم في الأفق، فإن هذه جولة بارعة من الذكاء التي لا نعرف الى أين تأخذنا. والى أي مكان بالضبط؟ يقول السيد روسل إن الآلة التي تتقن كل ما ذكرناه سابقا ستكون “صانع لقرار هائل في العالم الحقيقي”. سوف تمتص وتخزن كميات هائلة من المعلومات عن طريق الإنترنت والتلفزيون والإذاعة والأقمار الصناعية والدوائر التلفزيونية المغلقة، وبذلك تكتسب ادراكا أكثر تطورا للعالم وسكانه من أي عقل بشري يحلم أو يأمل بذلك.
ما هو الاحتمال الذي قد يكون صحيحا؟ في مجال التعليم، يقوم مدرسو الذكاء الاصطناعي بزيادة إمكانات كل طفل إلى أقصى حد. يمكنهم اتقان معرفة التعقيد الهائل لجسم الإنسان، مما يسمح لنا بإبعاد المرض. وفي مجال المساعدين الشخصيين الرقميين، سيضعون الحاليين مثل سيري وأليكسا في خجل شديد: “في الواقع، سيكون لديك محام ومحاسب ومستشار سياسي رفيع المستوى تحت الطلب وفي أي وقت.”
وماذا عن الجوانب السلبية؟ من دون إحراز تقدم كبير في سياسة السلامة وسن قوانين تنظيمية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، يتوقع السيد روسل الكثير من الفوضى، وفي أحد فصول الكتاب يتحدث السيد روسل بصورة قاتمة عن سوء استخدام الذكاء الاصطناعي. سوف يقوم الذكاء الاصطناعي المتقدم بتسليم الحكومات الكثير من الصلاحيات الاستثنائية للمراقبة والإقناع والسيطرة بحيث “يبدو المحترف وكأنه شخص من الهواة”. على الرغم من أن الروبوتات القاتلة ليست بعد على وشك القضاء على الإنسانية، إلا أن الطائرات بدون طيار يمكنها تماما تختار وتقتل الأفراد بناءً على بصمات وجوههم أو لون بشرتهم أو عن طريق لباسهم للزي التقليدي او الرسمي. أما بالنسبة للوظائف، فقد لا نتمكن من كسب لقمة العيش سواء من خلال الجهد البدني أو العقلي، ولكن لا نزال بإمكاننا توفير وتقديم إنسانيتنا على أقل تقدير. وأضاف السيد روسل: “اننا سوف نحتاج إلى أن نكون صالحين لكي نصبح بشراً”.
ما الذي هو أسوأ من الذكاء الاصطناعي المدمر للمجتمعات؟ هو الذكاء الاصطناعي المدمر الذي لن يتوقف. إنه أمر مرعب واحتمال غريب ومثير في أن يخصص له السيد روسل الكثير من الوقت. الفكرة هي أن الآلات الذكية سوف لن تتوقف او لن تتراجع، وفقًا لقصة المركبة الفضائية هال Hal التي تم عرضها في فيلم أوديسا الفضاء عام ٢٠٠١م، حيث من الصعب تحقيق تلك الأهداف في أن يقوم شخص ما بتعطيل الحدث من الاستمرار. أعطِ الذكاء الاصطناعي الفائق مهمة واضحة – لصنع القهوة مثلا، ونقل إن أول خطواته ستكون تعطيل مفتاح إيقاف نفسه.
يجادل السيد روسل بأن الإجابة تكمن في مقاربة جديدة وجذرية حيث لدى تقنيات الذكاء الاصطناعي بعض الشكوك حول أهدافهم، وبالتالي لن تعترض هنا على الإغلاق. ثم ينتقل السيد روسل إلى الدفاع عن الذكاء الاصطناعي “المفيد بشكل كبير”، والذي أثبتت خوارزمياته حسابياً أنها تفيد مستخدميها من البشر. ويكفي القول بإن هذا العمل لا زال مستمرا. ولكن السؤال هو: كيف سيتعامل الذكاء الاصطناعي المفيد مع المسيء؟
لنكن واضحين: هناك الكثير من الباحثين الذين يسخرون من هكذا مخاوف. ولكن بعد أن أوضح الفيلسوف نيك بوستروم Nick Bostrom المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي المتعدد الاغراض في حديثه عن الذكاء الفائق في سنة ٢٠١٤م، قامت مؤسسة أبحاث فكرية أمريكية، وهي مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار، بمنحه جائزة لوديسيم Luddism تحت عنوان “المناهضون من خطر الذكاء الاصطناعي لنهاية العالم”.
كان هذا مؤشرا على الجدل الكئيب حول سياسات السلامة للذكاء الاصطناعي، والذي هو على حافة النزول إلى القبلية. إن الخطر الذي يكمن هنا هو أقل ما يقال بالتدمير المفاجئ للجنس البشري، وأكثر من ضعف لا يطاق: خسارة في السعي والادراك، مما يؤدي إلى تآكل أسس الحضارة ويتركنا “مسافرين في سفينة سياحية تديرها الآلات الذكية، في رحلة بحرية تستمر إلى الأبد “.