شراكة من أجل الخير: كيف يساهم رجال الأعمال في المبادرات المجتمعية دون ارهاق القطاع الخاص؟
إعداد: عبدالله سلمان العوامي
٢٨ فبراير ٢٠٢٥م
مع تزايد المبادرات المجتمعية وارتفاع سقف التوقعات، تواجه الشركات ورجال الأعمال تحديًا في تحقيق التوازن بين تقديم الدعم للمجتمع وضمان استدامة أعمالهم. لم تعد المسؤولية الاجتماعية مجرد خيار تسويقي، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا في بناء سمعة الشركات وتعزيز علاقتها بالمجتمع. ومع ذلك، فإن تزايد طلبات الدعم يشكل ضغطًا مستمرًا يستدعي إعادة النظر في آليات التمويل لضمان استدامته وفعاليته.
يأتي هذا التحدي نتيجة لتداخل عدة أطراف في هذه المعادلة، فمن جهة تسعى الشركات ورجال الأعمال لدعم المشاريع الاجتماعية وفق إمكانياتهم، ومن جهة أخرى تعتمد المبادرات المجتمعية على هذا الدعم لضمان استمراريتها، بينما تعمل الجهات الناظمة على تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة. كل طرف من هؤلاء لديه أولوياته ورؤيته الخاصة، مما يجعل تحقيق التوازن بين العطاء والمسؤولية المالية أمرًا معقدًا يتطلب حلولًا مبتكرة تحقق المنفعة للجميع، بحيث يتم دعم المبادرات الفعالة دون أن تتحول إلى عبء مستمر على القطاع الخاص، مما يعزز التنمية المستدامة والمسؤولية المتوازنة.
دور الأيادي البيضاء في المجتمع
لا يمكننا الحديث عن المسؤولية الاجتماعية دون الإشادة بالدور الكبير الذي تقوم به العديد من الشركات ورجال الأعمال في دعم المبادرات المجتمعية. في مجتمعنا، هناك أيادٍ بيضاء سخية لا تزال تقدم الكثير من الدعم، وتسهم في تحسين حياة الكثيرين، سواء من خلال دعم التعليم، الصحة، أو المشاريع التنموية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن إنكار أن هناك شركات ورجال أعمال يمكنهم تقديم المزيد، واقتداءً بالنماذج الخيّرة التي نراها حولنا، يمكنهم أن يكونوا جزءًا من هذه المسيرة المباركة، مما يعزز ثقافة التكافل الاجتماعي ويخلق أثرًا إيجابيًا مستدامًا.
التحديات التي تواجه دعم المبادرات المجتمعية
لا شك أن دعم المبادرات المجتمعية يسهم في تعزيز التنمية والتكافل الاجتماعي، لكنه يواجه تحديات تتطلب حلولًا متوازنة لضمان فاعليته. فمن جهة، تجد الشركات نفسها أمام ضغط متزايد لتقديم الدعم المالي، مما قد يؤثر على استدامتها، بينما تواجه بعض المبادرات صعوبة في تحقيق الأثر المطلوب بسبب غياب التخطيط والاستدامة. ومن هنا، لا بد من التعامل مع هذه التحديات بوعي، لضمان أن يكون الدعم منظمًا، فعالًا، وعادلاً، بحيث يخدم المجتمع دون أن يتحول إلى عبء على القطاع الخاص. وقبل الخوض في مناقشة الحلول، دعونا هنا نوضح أهم التحديات في النقاط التالية:
- اختلاف الأولويات بين الشركات والمجتمع:
- رجال الأعمال يركزون على الربحية واستدامة أعمالهم، في حين تتوقع الجمعيات الخيرية دعمًا مستمرًا دون النظر إلى قدرة الشركات.
- بعض المؤسسات الخيرية تعتبر أن المسؤولية الاجتماعية التزام دائم، بينما يراها رجال الأعمال كجزء من استراتيجيتهم التجارية، وليس عبئًا يُفرض عليهم.
- غياب المعايير الواضحة لتقييم الأثر الاجتماعي:
- كثير من المبادرات تفتقر إلى خطط استدامة واضحة، مما يؤدي إلى تكرار الجهود دون تحقيق تأثير حقيقي.
- بعض الشركات تستخدم المسؤولية الاجتماعية كأداة لتحسين صورتها التسويقية وليس لخدمة للمجتمع.
- لا توجد آلية موحدة لقياس نجاح المبادرات، مما يجعل بعض الشركات تتردد في دعمها بسبب عدم وضوح جدواها الفعلية.
- التوازن بين العطاء والمسؤولية المالية:
- بعض رجال الأعمال يرون أن الالتزامات المجتمعية قد تؤثر على أرباحهم واستثماراتهم المستقبلية، بينما يرى آخرون أن المسؤولية الاجتماعية تعزز السمعة وتفتح فرصًا جديدة للنمو.
- في المقابل، قد يطالب المجتمع بدعم أكبر مما تستطيع الشركات تقديمه، مما يخلق جدلًا حول الحدود المعقولة للمسؤولية الاجتماعية.
- الضغوط الإعلامية والمجتمعية المتزايدة:
- وسائل الإعلام والمجتمع يزيدون من الضغط على رجال الأعمال للاستجابة لطلبات الدعم، مما قد يخلق تحديات مالية لبعض الشركات.
- أحيانًا، تتعرض الشركات لانتقادات إذا لم تستجب لجميع طلبات الدعم، حتى لو كانت خارج نطاق مسؤوليتها.
تحقيق التوازن بين دعم المبادرات المجتمعية واستدامة الأعمال
لا شك أن دعم المبادرات المجتمعية يعزز التكافل الاجتماعي ويُحدث أثرًا إيجابيًا واسع النطاق، ولكن من الضروري تحقيق هذا الدعم بطريقة متوازنة ومستدامة، بحيث لا يتحول إلى عبء يعيق استدامة الشركات وأعمالها. ومن هنا، يمكن تحقيق هذا التوازن من خلال الخطوات التالية:
- التركيز على المبادرات ذات الأثر المستدام:
- بدلاً من تقديم دعم مالي مؤقت، يمكن لرجال الأعمال الاستثمار في مبادرات تحقق تأثيرًا طويل الأمد، مثل:
- دعم التعليم عبر منح دراسية أو برامج تدريبية.
- تمكين رواد الأعمال عبر دعم المشاريع الناشئة والمستدامة.
- إنشاء صناديق دعم موحدة:
- يمكن إنشاء صناديق تمويل جماعية تُدار بشكل احترافي لضمان توزيع الدعم على المبادرات الأكثر احتياجًا وتأثيرًا.
- يساهم هذا النموذج في تقليل الضغوط على الشركات، حيث يتم توجيه الموارد وفق أولويات مدروسة.
- تحويل الدعم إلى شراكات استثمارية:
- بدلاً من التبرعات المباشرة، يمكن للشركات الاستثمار في المشاريع الاجتماعية بطريقة تحقق لها عائدًا مستدامًا وتساعد على تطوير المجتمع في نفس الوقت.
- مثال: دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي توفر فرص عمل جديدة وتساهم في تحفيز الاقتصاد المحلي.
- مثال آخر: شركة “باتاغونيا” (Patagonia) في ولاية كاليفورنيا الامريكية والمتخصصة في الملابس الرياضية، التي تستثمر جزءًا من أرباحها في مشاريع بيئية مستدامة بدلًا من تقديم تبرعات مباشرة.
- تبني المسؤولية الاجتماعية كاستراتيجية تجارية مستدامة:
- يمكن للشركات دمج المسؤولية الاجتماعية في نموذج أعمالها من خلال تطوير منتجات وخدمات تساهم في حل المشكلات المجتمعية، مثل:
- شركات التقنية التي تقدم دورات مجانية في البرمجة والتكنولوجيا للشباب.
- شركات الأغذية التي تدعم المشاريع الزراعية المحلية لخلق فرص عمل.
- المؤسسات المالية التي تقدم قروضًا ميسرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
- المطاعم الكبيرة التي تقدم وجبات مجانية للمحتاجين.
- التوزيع العادل للمساهمات:
- يجب على الشركات تخصيص ميزانيات محددة للمسؤولية الاجتماعية تتناسب مع إمكانياتها، بحيث يتم توزيع الدعم بطريقة تضمن تحقيق أقصى فائدة ممكنة دون التأثير على استقرارها المالي.
- تعزيز ثقافة العطاء الجماعي:
- المسؤولية المجتمعية ليست مقتصرة فقط على رجال الأعمال والشركات، بل يمكن لكل فرد المساهمة حسب إمكانياته، سواء من خلال التطوع، التبرعات، أو نشر الوعي حول القضايا المجتمعية المهمة.
- يجب أن يكون هناك وعي بأن التنمية مسؤولية جماعية، ولا يمكن الاعتماد فقط على الشركات لحل جميع المشكلات الاجتماعية.
المبادرات الإيجابية في انتظار الداعمين
ندرك أن بعض المبادرات قد لا تكون ذات جدوى أو تفتقر إلى التخطيط السليم، ولكن في المقابل، هناك العديد من المبادرات ذات الأثر الإيجابي الحقيقي التي لا تزال تنتظر دعم الخيرين من رجال الأعمال والشركات. هذه المبادرات تشمل مجالات حيوية مثل التعليم، الصحة، ريادة الأعمال، وتمكين الفئات المحتاجة، ويمكن أن تُحدث فرقًا جوهريًا إذا ما وجدت الداعمين المناسبين الذين يؤمنون بأهميتها وتأثيرها على المجتمع.
نحو نموذج أكثر استدامة للمسؤولية الاجتماعية
المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد تبرعات، بل هي استثمار في مستقبل المجتمع بطرق تحقق أثرًا إيجابيًا دون أن تتحول إلى عبء على الشركات. التحدي الحقيقي هو إيجاد نموذج متوازن يضمن تحقيق الفائدة للمجتمع، دون أن يرهق القطاع الخاص أو يؤثر على استدامته.
رجال الأعمال والشركات ليسوا مطالبين بحل جميع مشكلات المجتمع، ولكن يمكنهم أن يكونوا شركاء حقيقيين في التنمية إذا تمت إدارة المسؤولية الاجتماعية بذكاء ورؤية مستدامة. في المقابل، على المبادرات المجتمعية أن تسعى لتطوير خطط استدامة واضحة بدلاً من الاعتماد على التبرعات وحدها، وأن تبحث عن سبل مبتكرة لضمان استمرار مشاريعها.
السؤال الذي يظل مطروحًا: كيف يمكننا جميعًا، كأفراد ومؤسسات، العمل معًا لتحقيق نموذج مسؤولية اجتماعية يُحقق التنمية دون أن يُشكل عبئًا على أي طرف؟
موضوع شيق يستحق النشر لكي يستفيد منه رجال الاعمال والشركات واصحاب المبادرات
الكاتب طرح حلول للمشكلة في ايجاز واعطى امثله تستحق التفكير فيها من اجل الاستدامه
الف الف شكر اخي العزيز الاستاذ ابا احمد للقراءة والاشادة..
ممتن كثيرا لتعليقك واهتمامك واكثر من ذلك هو دعمكم المستمر للكثير من المبادرات المجتمعية وجعل الله ذلك في ميزان اعمالكم
وصلني المقال الشيق من احد اعضاء جمعيتنا شاركني التي تأسست قريبا وكنت كمن يبحث عن ضالته التي توضحت بين سطور هذا المقال. الاستاذ عبدالله وضع يده على امر مقلق للجمعيات مع ازديادها ولاصحاب الاعمال والشركات الذين تردهم مطالبات الدعم للمبادرات المختلفة. الف شكر وتحية لك استاذنا عبدالله العوامي نتمنى ان نسعد بلقاكم والتعرف على اطروحاتك المميزة عن قرب.
الشكر الجزيل لك للقراءة والاشادة.
سعدت كثيرا بتعليق الجميل وشعورك الأجمل.
نسأل الله ان نلتقي بكم في دروب الخير والحب والصلاح.
شكرا جزيلا لك محددا.
مقال جميل وأنت الأجمل، عزيزنا أبا أحمد 🌺
جزاكم الله خير جزاء الدنيا والآخرة ونفّع بكم 🙏🏼
الجمال في مرورك وتعليق الأجمل. الف الف شكر للقراءة والإشادة. ممتن كثيرا للاهتمام والمتابعة