قوة الأشخاص الايجابيين

قوة الأشخاص الايجابيين

ترجمة وبتصرف: عبدالله سلمان العوامي 

بقلم: السيدة تارا باركر- بوب

هي المحرر المؤسس لموقع الرفاه Well في صحيفة نيويورك تايمز، الموقع الحائز على جائزة التايمز في صحة المستهلك. وهي مؤلفة لثلاثة كتب، منها “للأفضل: علم الزواج الجيد”، في عام ٢٠١٠م)، و “قرار الهرمون” في عام ٢٠٠٧م، و “السجائر: تشريح الصناعة من البذور إلى التدخين، في عام ٢٠٠٢م ” في عام ٢٠١٣م، حصلت السيدة بارك – بوب على جائزة ايمي Emmy عن سلسلة مقاطع الفيديو Well Interrupted”، التي سردت التحديات التي واجهتها مريضة سرطان صغيرة في العشرينات من عمرها. قبل انضمامها إلى التايمز عام ٢٠٠٧م، كانت السيدة باركر بوب كاتبة عمود في صحيفة وول ستريت جورنال. 

المصدر: موقع ملحق الرفاه من صحيفة نيويورك تايمز

www.nytimes.com/section/well

تاريخ النشر: ١٠ يوليو ٢٠١٨م

هل الصداقات ترفع من معنوياتك أو تحطمك؟

هل تقضي وقتا مع الأشخاص المناسبين لصحتك وسعادتك؟

بينما يركز الكثيرون منا في المقام الأول على النظام الغذائي والتمارين الرياضية لتحقيق صحة أفضل، إلا أن العلم يشير إلى أن رفاهيتنا أيضًا تتأثر برفقة من نجالس. وجد الباحثون أن بعض السلوكيات الصحية تبدو معدية مع من نتواصل من الأشخاص اجتماعيا – بطريقة مباشرة او عن طريق الانترنت – ويمكن أن يؤثر ذلك علينا ببعض الامراض مثل السمنة والكآبة، أو السعادة بشكل عام. وحسب تقرير حديث وجد أن الروتين العملي أو الرياضي لأي شخص عادة ما يتأثر بقوة من خلال محيطه الاجتماعي.

تذكرت في الآونة الأخيرة من قوة تأثير الجمع او الحشد خلال رحلة رفاه بحرية برعاية رحلات تايمز. الرحلة استقطبت مجموعة من المسافرين ذوي التفكير المماثل، والذين وعلى الرغم من تعرضهم لمستويات مختلفة من المعضلات الصحية في حياتهم، بما في ذلك السرطان، فقدان البصر، أو فقدان أحد الأحبة لهم في الآونة الأخيرة، الا انهم كانوا جميعا متفائلين ومبتهجين بشكل ملحوظ. تراوحت أعمار المجموعة بين ١٧ و٩٠ عاما. كان أحدهم في هذه الرحلة البحرية ملهما للجميع حيث استطاع وهو في الثمانينات من عمره أن يسيطر على اصابته بالسكري عبر اعتماده لنظام الغذاء النباتي ولروتين رياضي صارم. وصديقة أخرى وهي في الخمسين من عمرها استطاعت ان تنجو من سرطان الرئة وقد شجعتني مخاطبة ذات مرة للبقاء طويلا عند ممارستي لتمارين رياضية صعبة للغاية.

بعد الرحلة، وعد كل منا الاخر بالبقاء على التواصل. بعد عودتي من هذه التجربة المنعشة، عدت إلى المنزل مع التزام ذاتي متجدد ليس فقط بممارسة التمارين الرياضية وامتثال أساليب الحياة الصحية فحسب، بل أيضا من أجل تطوير وترقية أساليب حياتي الاجتماعية وقضاء المزيد من الوقت في التسامر مع أشخاص سعداء.

قام السيد دان بوتنر، وهو مؤلف وعضو الزمالة في ناشيونال جيوغرافيك، بدراسة العادات الصحية للأشخاص الذين يعيشون فيما يسمى بالمناطق الزرقاء – وهي مناطق من العالم والتي يعيش فيها الناس عمرا أطول بكثير من المتوسط العمري. وأشار إلى أن الصداقات الإيجابية هي العنوان السائد في تلك المناطق الزرقاء من العالم.

ويضيف السيد بوتنر مؤكدا: “أن الأصدقاء يحتلون مرتبة قياسية في التأثير وبشكل مستمر على سلوكياتك الصحية بطريقة لا يستطيع النظام الغذائي (الرجيم) أبدا أن يفعلها”.

في أوكيناوا، اليابان، حيث يبلغ متوسط العمر المتوقع للنساء حوالي ٩٠ عامًا، وهو الأطول في العالم، يشكل الناس فيها نوعًا من الشبكات الاجتماعية تسمى ب موآي – وهي مجموعة من خمسة أصدقاء يقدمون من خلالها الخدمات الاجتماعية، واللوجستية، والعاطفية، وحتى المالية مدى الحياة.

الرفاه

عاملان مساعدان لرغد العيش وهما: التفكير الايجابي وإحاطة نفسك بالأشخاص الإيجابيين.

قال السيد بوتنر “إنها فكرة قوية للغاية”. جرت العادة بأن يقوم الوالدان بوضع أبنائهم منذ ولادتهم ليعيشون سويا حتى نهاية رحلة العمر ضمن مجموعات موآي. 

مجموعة موآي تستفيد عندما تسير الأمور بشكل جيد من عدة أشياء منها مثلا مشاركة محصول وفير، دعم عائلات المجموعة بعضها البعض وخاصة عندما يمرض الطفل أو يموت شخص ما. ويبدو جليا ان أن كل شخص في المجموعة يؤثر على الاخر في سلوكياته الصحية مدى الحياة. 

يعمل السيد بوتنر مع مسؤولي الصحة الفيدرالية وحكومات الولايات المحلية، بما في ذلك الجراح العام الأمريكي السابق فيفيك ميرثي، لإنشاء مجموعات موآي في أكثر من عشرين مدينة في جميع أنحاء أمريكا. لقد أمضى مؤخراً بعض الوقت في مدينة فورت وورث بولاية تكساس، حيث شكّل العديد من السكان هناك مجموعات موآي للمشي – وهي بمثابة مجموعات من الأشخاص يجتمعون بانتظام لممارسة المشي وتفعيل العلاقات الاجتماعية سويا.

كما أضاف قائلا: “ومن خلال البحث وجدنا في بعض هذه المدن بإنه بالإمكان وبكل بساطة تجميع الأشخاص الذين يرغبون في تغيير سلوكياتهم الصحيحة وتنظيمها من خلال وضع برنامج للمشي او بدعوتهم للمشاركة في تقديم وتناول طبق نباتي.” ندعوهم للتسكع لمدة عشرة أسابيع، لقد أنشأنا مجموعات موآي والتي يزيد عمرها الان العديد من السنوات، وهي لازالت تمارس تأثيرا صحيا على حياة أعضائها. 

المفتاح لبناء مجموعات موآي ناجحة هو أن تبدأ مع الأشخاص الذين لديهم اهتمامات ومشاعر وقيم مماثلة. في البداية يحاول فريق المنطقة الزرقاء تجميع الأشخاص استنادًا إلى أماكنهم الجغرافية ومواقع أعمالهم وجداول اسرهم. ثم يسألونهم عدة أسئلة لمعرفة اهتماماتهم المشتركة. مثلا: هل رحلتك المثلى رحلة بحرية او رحلة تكون فيها راجلا وتحمل فيها حقيبتك على ظهرك؟ هل تحب موسيقى الروك أو الموسيقى الكلاسيكية؟ هل تشترك في جريدة نيويورك تايمز او صحيفة وول ستريت جورنال؟

أشارت إحدى زميلاتي المسافرات في الرحلة، كارول أورباخ من مدينة نيويورك، إلى أن محيطها من الأشخاص الإيجابيين ساعدها على التأقلم مع الحياة من فاجعة فقدان زوجين اثنين في عمرها. كانت السيدة أورباخ أرملة في سن الثلاثين، عندما كان أطفالها في الثانية والخامسة. وبفضل دعم عائلتها وأصدقائها، وتماسكها، تمكنت من إعالة أسرتها، والتزوج ثانية. ثم في عام ١٩٩٢، توفي زوجها الثاني بشكل غير متوقع. وللتصدي ثانية مصاعب الحياة، ركزت على العمل التطوعي للمساهمة في خدمة مجتمعها.

قالت السيدة أورباخ إنها تعتقد أنها تعلمت لكي تكون لديها نظرة إيجابية من والدتها، وهي إحدى الناجيات من محرقة الهولوكوست والتي غادرت ألمانيا في عمر ١٩ سنة ولم ترى والديها مرة أخرى.

وقالت: “عندما كبرت، لم نكن أثرياء، وكنا الأربعة نعيش في شقة بغرفة نوم واحدة، وكان والدي ينامون على أريكة قابلة للطي”. “لم تشكو والدتي مطلقا. أعتقد أنها كانت تتـألم بصمت لصعوبة الأشياء التي تحدث حولها، ولكنك تشعر بالتقدير الشديد للحياة التي تعيشها، وتشعر بتتحمل المسؤولية لتحقيق أقصى الاستفادة منها. “

وفي نهاية المطاف وجدت السيدة أورباخ الحب مرة أخرى، وتزوجت من زوجها الثالث لمدة ١٥ عاما. وقالت: “الحياة ستكون قصيرة جدًا بجانب الأشخاص السلبيين”. “أحتاج إلى أشخاص من حولي يهتمون بي ويقدرون ذلك، ويرون العالم كالنصف الممتلئ من الكاس، وليس كالنصف الفارغ منه”.

فريق المنطقة الزرقاء عمل اختبارا صغيرا لمساعدة الأشخاص على تقييم التأثير الإيجابي في محيطهم الاجتماعي الخاص بهم. يطرح الاختبار أسئلة حول أصدقائك وحالتهم الصحية، وكم يشربون ويأكلون، وكيف يمارسون التمارين الرياضية، بالإضافة إلى معرفة نظرتهم المستقبلية. الهدف من الاختبار لا يتمثل في التخلص من أصدقاءك الأقل جودة، ولكن يساعدك في تحديد الأشخاص في حياتك من الذين يسجلون أعلى مستويات الجودة من أجل قضاء المزيد من الوقت معهم.

يقول السيد بوتنر، والذي ينصح الناس بالتركيز على ثلاثة إلى خمسة أصدقاء في العالم الحقيقي بدلاً من الأصدقاء البعيدين في العالم الافتراضي في الفيسبوك: “أقول إن أقوى شيء يمكنك القيام به لإضافة سنوات صحية من عمرك هو تنظيم شبكتك الاجتماعية المباشرة”. وقال أيضا: “بشكل عام أنت تريد الأصدقاء الذين يمكن التحدث معهم في أمور هادفة”.   “هؤلاء يمكنك الاتصال بهم في أحلك الظروف وسوف يلبون ندائك. مجموعة أصدقائك تكون أفضل لك من أي دواء أو فيتامين لمكافحة الشيخوخة، وإنهم سوف يفعلون لك كل ما تريد وعن أي شيء تريده. 

Previous post التصميم والتخطيط لحياتك: كيف تبني حياة الرفاه والبهجة
Next post كيف يمكنك قياس حياتك…؟