السعادة الحقيقية : لاتعني أن تكون سعيدا طوال الوقت

السعادة الحقيقية لا تعني أن تكون سعيدا طوال الوقت

ترجمة وبتصرف: عبدالله سلمان العوامي

بقلم: السيدة لوري دوثويت   Lowri Dowthwaite

السيدة لوري دوثويت محاضرة في التدخلات النفسية في جامعة سنترال لانكشاير University of Central Lancashire. مجال اهتمامات السيدة لوري هو علم النفس الإيجابي وعلم السعادة. تعمل السيدة لوري حاليًا على دراسة حول السعادة والشخصية وما وراء المعرفة كأبحاث حول الفروق بين الجنسين في السعادة. السيدة لوري طورت أيضًا دورة تدريبية حول علم السعادة باسم (ساعة سعيدة) وتم عرضها داخل مركز خدمات الصحة الوطنية NHS للموظفين والمرضى. الدورة التدريبة تغطي علم السعادة، لماذا الضحك هو أفضل دواء – قوة الشفاء من الفكاهة وكذلك الشيخوخة الإيجابية – وكيفية الاستمتاع بالحياة في آخر العمر.

المصدر: موقع مجموعة المحادثة الإعلامية  https://theconversation.com

تاريخ النشر: ١٠ يناير ٢٠١٨م

على مدى العقدين الماضيين، ساهمت حركة علم النفس الإيجابي في الأبحاث النفسية بعلم السعادة والإمكانات البشرية والازدهار. الجدل والنقاش لا زال قائما، في ان علماء النفس لا ينبغي عليهم فقط التحقيق في الأمراض العقلية فحسب، بل وأيضاً التحقيق في الأمور التي تجعل الحياة جديرة بالعيش فيها.

السيد مارتن سليجمان Martin Seligman الأب المؤسس لعلم النفس الإيجابي يصف السعادة بأنها ممارسة المشاعر الإيجابية المتكررة، مثل الفرح والحماس والطمأنينة، مقرونة بمشاعر أعمق للمضمون والهدف. السعادة تنطوي على عقلية إيجابية في الوقت الحاضر ونظرة متفائلة للمستقبل. الأهم من ذلك، خبراء السعادة لا زالوا يناقشون بأن السعادة ليست سمة ثابتة وغير قابلة للتغيير، ولكنها شيء مرن يمكننا العمل عليه والسعي في النهاية نحو تحقيقه.

لقد قمت بتنفيذ ورش عمل للسعادة على مدى السنوات الأربع الماضية بناء على الأدلة والبراهين من مجال علم النفس الإيجابي المشار اليه أعلاه. ورش العمل أصبحت ممتعة وقد اكتسبت سمعة كبيرة، وعلى أساس ذلك لقبت ب “سيدة السعادة”، لكن آخر شيء أرغبه هو أن يصدق كل الناس بأنني سعيدة طوال الوقت. السعي من أجل حياة سعيدة هو أمر من جانب واحد، ولكن السعي لتكون سعيدا طوال الوقت هو أمر غير واقعي.

يشير أحد الأبحاث الحديثة تحت عنوان: “المرونة النفسية كجانب أساسي للصحة Psychological Flexibility as a Fundamental Aspect of Health” إلى أن المرونة النفسية هي المفتاح لسعادة أفضل ورفاهية أكثر. على سبيل المثال، قد يكون الانفتاح على التجارب العاطفية والقدرة على تحمل فترات من المشقة يسمح لنا بالانتقال نحو حياة أكثر ثراءً ومضمونا.

لقد أثبتت الدراسات ومنها التي نشرت مؤخرا تحت عنوان “السعي لتحقيق السعادة: البنية المعمارية للتغيير المستدام: Pursuing happiness: The architecture of sustainable change” أن الطريقة التي نستجيب بها لظروف حياتنا لها تأثير أكبر على سعادتنا وهي أكثر من الأحداث نفسها. الشعور بالتوتر والحزن والقلق والكأبة على المدى القصير لا يعني أننا لا نستطيع أن نكون سعداء على المدى الطويل.

طريقان للسعادة:

من الناحية الفلسفية، هناك طريقان للشعور بالسعادة: المتعة والرفاه. يرى أهل مذهب اللذة والمتعة أنه من أجل أن نعيش حياة سعيدة، يجب علينا زيادة المتعة وتجنب الألم. هذه النظرة تدور حول إرضاء شهوات ورغبات الإنسان، لكنها غالباً ما تكون قصيرة العمر.

في المقابل، فإن نهج الرفاه يأخذ المسار الطويل. ويقال انه ينبغي علينا أن نعيش بطريقة صحيحة وأكثر صلاحا. يجب علينا السعي لتحقيق الهدف والطاقة وذلك من خلال حسن الاخلاق والعدالة والصدق والشجاعة.

إذا شاهدنا السعادة بالمعنى الممتع، فيجب علينا أن نستمر في البحث عن ملذات وتجارب جديدة من أجل “زيادة” سعادتنا. سنحاول أيضًا تقليل المشاعر الغير مريحة والمؤلمة من أجل الحفاظ على مزاجنا عالياً.

ومع ذلك، إذا اتبعنا نهج الرفاه، فإننا نسعى جاهدين لتحقيق المضمون، باستخدام نقاط القوة لدينا وللمساهمة في شيء أكبر من أنفسنا. قد يشتمل ذلك على تجارب ومشاعر غير مريحة في بعض الأحيان، ولكن غالبًا ما يؤدي ذلك إلى مستويات أعمق من الفرح والرضا والطمأنينة. لذا فإن الطريق الى حياة سعيدة لا يعني تجنب الأوقات الصعبة؛ ولكنه يتعلق الأمر بالقدرة على الاستجابة للمصيبة والمحنة بطريقة تسمح لنا بالنمو من خلال التجربة.

من رحم الألم تولد الإنجازات:

تظهر بعض الأبحاث ومنها البحث بعنوان: ” النمو ما بعد الصدمة والأمراض الجسدية التي تهدد الحياة: مراجعة منهجية للثقافة النوعية Post-traumatic growth and life threatening physical illness: A systematic review of the qualitative literature” أن وقوعنا في المحن والشدائد هي تجربة يمكن أن تكون في الواقع جيدة بالنسبة لنا، اعتمادًا على كيفية الرد عليها والتفاعل معها. يمكن لهذه التجربة أن تجعلنا نتحمل الضغوط بأكثر مرونة وقد تدفعنا إلى اتخاذ قرارات في حياتنا، مثل تغيير وظائفنا أو تساعدنا في التغلب على المصاعب.

في نفس الدراسة البحثية المشار اليها أعلاه، والتي أجريت على الأشخاص الذين يواجهون الصدمات النفسية، يصف الكثيرون تجربتهم كمحفز للتغيير العميق والتحول للأفضل، مما يؤدي إلى ظاهرة تُعرف باسم “النمو بعد الصدمة”. في كثير من الأحيان عندما يواجه الناس صعوبة أو مرضا أو خسارة، فإنهم يصفون حياتهم بأنها أكثر سعادة وأكثر معنى وهدفية نتيجة لذلك.

على عكس الشعور بالسعادة، وهي حالة عابرة، مسار الحياة الأكثر سعادة تدور حول النمو الفردي من خلال إيجاد معنى وهدفا. الأمر يتعلق بقبول إنسانيتنا بكل ما فيها من تحولات صعودا ونزولا، والاستمتاع بالمشاعر الإيجابية، وتسخير المشاعر المؤلمة من أجل الوصول إلى إمكانياتنا الكاملة.

Previous post العوالم العشرة: علم النفس الجديد للسعادة
Next post كيف يمكن للصدق أن يجعلك أكثر سعادة