عقار سريع المفعول للاكتئاب، يبشر لمساعدة الملايين من المرضى

عقار سريع المفعول للاكتئاب، يبشر لمساعدة الملايين من المرضى

ترجمة وبتصرف: عبدالله سلمان العوامي

بقلم: السيد بينديكت كيري   Benedict Carey

بنديكت كاري عمل مراسلًا للشؤن العلمية في صحيفة نيويورك تايمز منذ عام ٢٠٠٤م. وقبل ذلك، كان كاتبًا للشؤون الطبية والصحية في صحيفة لوس أنجلوس تايمز من عام ٢٠٠٠ إلى عام ٢٠٠٤م. وكان السيد كاري صحفيًا مستقلاً منذ عام ١٩٩٧م، وقبل ذلك كان أحد الكتاب لمجلة الصحة. وقد قام بتأليف ثلاثة كتب: “كيف نتعلم” حول العلوم المعرفية للتعلم في عام ٢٠١٤م؛ “قارورة السم القاتل في عام ٢٠١١م، و “جزيرة المجهولون” وألغاز العلوم للطلبة المتوسطين في عام ٢٠٠٩م.

المصدر: موقع ملحق الصحة – جريدة نيويورك تايمز

https://www.nytimes.com/section/health

تاريخ النشر: ٥ مارس ٢٠١٩م 

أظهرت عينة من دواء على شكل بخاخ للأنف من عقار الكيتامين كبشارة أولية ضد الاكتئاب، حتى لو أننا لم نتمكن حتى الان من معرفة خواصه بشكل مفهوم جيدا.

من بين ١٦ مليون من البالغين الأمريكيين الذين يعيشون حالة الاكتئاب، الربع منهم يستفيد قليلا او لا يستفيد على الاطلاق من العلاجات المتاحة، سواء بالأدوية التقليدية أو بالعلاج الحديث. وهم ربما يمثلون أعظم شريحة غير مستوعبة في الصحة النفسية. وقد تم حديثا موافقة هيئة الغذاء والدواء على علاج طبي جديد يهدف إلى مساعدتهم، وهو دواء سريع المفعول مشتق من عقار قديم وذو استخدام واسع النطاق، وهو الكيتامين.

هذه الحركة تبشر بالانتقال من عصر أدوية بروزاك المضادة للاكتئاب. حيث إن العلاج المعتمد حديثًا، والذي يسمى سوكتامين، هو رذاذ أنفي طورته شركة جانسين للصيدلة Janssen Pharmaceuticals Inc.، وهي فرع لشركة جونسون اند جونسون Johnson & Johnson، والذي سيتم تسويقه تحت اسم سبرافاتو Spravato. وهذا الدواء يحتوي على جزء نشط من مركب الكيتامين، والذي لم نتمكن من فهم خصائصه المضادة للاكتئاب حتى الآن.

“الحمد لله توفر لدينا الآن شيء مع آلية عمل مختلفة عن مضادات الاكتئاب السابقة”، قال الدكتور إيريك تيرنر، وهو استشاري سابق في هيئة الدواء والغذاء وأستاذ مشارك في الصحة النفسية في جامعة أوريجون للصحة والعلوم. وأضاف أيضا: “لكنني متشكك من هذه الضجة، لأنه في هذا العالم، مثل السيدة لوسي التي تمسك بكرة القدم من أجل السيد تشارلي براون: في كل مرة ترتفع آمالنا، يتم سحب كرة القدم بعيدا عنا”.

أصبح عقار التخدير متاحًا بشكل متزايد للاكتئاب، في مئات العيادات في جميع أنحاء البلاد التي توفر دورة من العلاجات الوريدية. وتشير الدراسات إلى أن هذا العقار يمكن أن يساعد الأشخاص الذين أجسامهم تقاوم العلاج. وغالبا ما يسبب حساسية خارج الجسم والهلوسة في حالة مناولته؛ وللعلم في الثمانينيات والتسعينيات، كان هذا الدواء معروف شعبيا.

عادة ما تكون تكلفة هذه العلاجات من الجيب الشخصي، لأن العقار المخدر غير معتمد من قبل هيئة الدواء والغذاء كعلاج للاكتئاب. في المقابل، من المرجح أن تتم تغطية الإسكيتامين تحت العديد من بوليصات التأمين، ويعتقد أن آثاره الجانبية أقل دراماتيكية، على الرغم من أنها مماثلة لتلك الموجودة في الكيتامين.

الدورة الموصى بها من الادوية المعتمدة حديثا هي مرتين في الأسبوع، لمدة أربعة أسابيع، مع الزيادة حسب الحاجة، جنبا إلى جنب مع واحدة من مضادات الاكتئاب عبر الفم والتي تستخدم كالعادة. موافقة هيئة الدواء والغذاء تتطلب أن تؤخذ الجرعات في مكتب الطبيب أو العيادة، مع مراقبة المرضى لمدة ساعتين على الأقل، وإدخال معلومات حالاتهم في السجلات الطبية؛ كما توصى على المرضى بعدم القيادة في يوم العلاج.

يتعرض الإسكيتامين، مثله في ذلك مثل الكيتامين، إمكانية حدوث سوء الاستخدام، وكلا الدواءين يمكن أن يتسببا في نوبات ذهانية (عقلية) لدى الأشخاص المعرضين لخطر كبير لهكذا علاج. وقال بعض الاطباء النفسيين ان وسائل مراقبة السلامة ستتطلب من الاطباء توفير مكان خاص للمرضى لتناول العلاج مما قد يمثل تحديا لوجستيا.

وحسب شركة جانسين إن التكلفة الإجمالية لدورة علاج تتراوح بين ٢٣٦٠ و٣٥٤٠ دولار، وحسب الخبراء إنها ستعطي الشركة موطئ قدم في السوق العالمية للأدوية المضادة للاكتئاب والتي تبلغ قيمتها السوقية حاليا ١٢ مليار دولار.

ويشير الخبراء إلى أن الموافقة على اعتماد عقار سوكتامين تمثل مسارا جديدا لمعالجة مشكلات المزاج الخطيرة. عقار بروزاك وأدوية مماثلة تحسن من نشاط طرق الاتصال بالدماغ مثل السيروتونين. هكذا أدوية فعالة بشكل معتدل، ولكنها تستغرق أسابيع أو أشهر حتى يمكن الشعور بآثارها، وبالنسبة للعديد من المرضى، فإنها لا تقدم إلا القليل من الراحة أو عدم الراحة من الاكتئاب. وعلى النقيض من ذلك، فإن المركبات العلاجية التي أساسها الكيتامين – العديد منها يجري تطويرها – تعمل في غضون ساعات أو أيام، وتكون فعالة في بعض الأشخاص الذين أجسامهم “تقاوم العلاج”، أي أنهم لم يستفيدوا من مضادات الاكتئاب الأخرى.

وقال الدكتور تود غولد، الأستاذ المشارك في الصحة النفسية في كلية الطب بجامعة ميريلاند: “إنها أوقات مثيرة بالتأكيد.” “لدينا أدوية تعمل بسرعة لعلاج مرض شديد الخطورة”. لم يكن الدكتور غولد مشاركًا في دراسة شركة جانسين، ولكنه اكتشف أحد المستقلبات أو منتج الكيتامين، والذي يمكن تطويره إلى دواء آخر.

وقد تشجع الخبراء، ذوي الممارسات الطويلة في علاج الاكتئاب، من هذه الأخبار، ولكنهم أيضا لا زالوا حذرين. حيث تمت المبالغة سابقا في فعالية بعض أدوية مضادات الاكتئاب مثل بروزاك وباكسيل إلى حد كبير عندما توفروا في الاسواق. وكانت نتائج تجارب عقار السكيتامين مختلطة (في التأثير وعدم التأثير)، والتي قامت وقتها شركة جانسين بدفع وتنفيذ المشروع.

في الطرف المقابل قال ستيفن هولون، أستاذ الصحة النفسية والعلوم السلوكية في جامعة فاندربيلت: “لم يكن لدينا شيء جديد منذ ٣٠ عامًا”. “إذا كان هذا الدواء وسيلة فعالة للحصول على استجابة أسرع في الأشخاص الذين يقاومون العلاج، ويمكننا استخدامه بأمان، فإنه يمكن أن يكون هبة من السماء”.

وقال الدكتور جلين بروكس، مؤسس ومدير عيادة NY Ketamine Infusions، وهي عيادة في وسط ضاحية مانهاتن في مدينة نيويورك، إنه عالج حوالي ٢٣٠٠ شخص، من جميع الأعمار، بالكيتامين في الوريد، وهو مخدر عام. وقد لوحظ على مرضاه مجموعة متنوعة من التشخيصات، بما في ذلك الإجهاد اللاحق للصدمة، والقلق، والاضطراب الوسواسي القهري، وكذلك الاكتئاب.

وأضاف الدكتور بروكس، طبيب التخدير، “إن ما يجمع بين كل هذه الادوية هو أنها قد فشلت”. وأردف قائلا بلسان المرضى: “إنهم يائسون، ويفكرون: لا شيء آخر قد نجح، فلماذا يجب أن ينجح هذا؟ “، وقال إنه، من خلال خبرته، سرعان ما تقلل هذه الأدوية الأعراض للمراهقين والشباب، ولكن يبدو أنها أقل فعالية بالنسبة للأشخاص فوق الخمسين.

انطلق حقل التجارب في عام ٢٠٠٦م، عندما أفاد فريق من المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH) بقيادة الدكتور كارلوس زاراتي، أن ١٨ شخصًا مقاومًا للمعالجة تلقوا الدواء عن طريق الوريد أفادوا أن يأسهم وقنوطهم قد انقشع في غضون ساعات.

“ما يبدو رائعا هو أن هذا الدواء يساعد أيضا في مجالات أخرى غير الاكتئاب، مثل القلق والتفكير الانتحاري، وانعدام اللذة” – عدم القدرة على الشعور بالمتعة – قال الدكتور زاراتي، رئيس قسم العلاج الطبيعي والفيزيولوجي في المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH) ” يبدو أن لهذا الدواء تأثيرات أوسع في العديد من المجالات المزاجية”.

القدرة الواضحة للكيتامين لكبح الانتحار أصبح امرا مقنعا، وتسعى شركة جانسين إلى هذا المؤشر من أجل السكيتامين. وقال الأطباء إن الانتحار في السجون وأجنحة الطب النفسي يمثل خطرا حادا بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الأزمات، ويمكن أن ينقذ عقار كهذا بفاعليته السريعة حياة الكثيرين.

في الوقت الراهن، لا أحد يعرف ما إذا كان السكيتامين، أو أي من المركبات الأخرى القائمة على الكيتامين التي تجري دراستها، أكثر فعالية من أدوية التخدير الاخرى نفسها – أو، في هذه الحالة، ما إذا كانت الآثار الجانبية خارج الجسم والهذيان؟ هي في الواقع جزء لا يتجزأ من خصائصه المضادة للاكتئاب.

وقال الدكتور زارات: “من أجل ذلك، سنحتاج إلى دراسات وجهاً لوجه”. “ونحن لا نملك هكذا دراسات حتى الآن.”

Previous post عندما يلتقي مرض السرطان بشبكة الإنترنت
Next post كيف تصبح شخصا أقل قلقا…؟